19 ديسمبر، 2024 1:42 ص

من هو السياسي الغاضب على اللصوص ؟!

من هو السياسي الغاضب على اللصوص ؟!

” الجوهران اللذان يملكان صفات متباينة لايتفقان بشيء ”
( باروخ سبينوزا )
في كتابه ” علم الأخلاق ” يقول الفيلسوف اليهودي – الهولندي الأصل باروخ سبينوزا ان الجوهر هو : ” مايوجد في ذاته ويتصور في ذاته , أي ما لايتوقف بناء تصوره على بناء تصور آخر ” .
من تلك المقدمه نستنتج أن : ” لايعد جوهر جميع القادة السياسيين العراقيين المشتركين في العملية السياسية الحالية متشابهآ فيما بينهم من حيث الصفات ” , للأسباب التالية ; أولآ , ان اغلبهم من جيل ماقبل سقوط النظام البائد عام 2003,
اما الأقلية فهم من جيل مابعد السقوط , لكنهم جميعآ يعيشون في واقع حقبة زمنية وحقائق سياسية معاصرة واحدة لغاية كتابة هذه المقالة . ثانيآ , التفرد في متعة القراءة التي تغذي أفكارهم , تتنوع بين هذا السياسي او ذاك بحسب الغاية التي يبغيها ,
إذ عبر التحقيق في التأريخ والفلسفة والجغرافية والعلوم الأخرى ذات الصله برغباته الجوهرية , فضلآ عن دراسة الحقائق التي وصل اليها واتفق معها , هي التي تبني صفات جوهره ليبلغ بها اهدافه .
ثالثآ , بهذه المعايير الثقافية تتنوع صفات جوهر السياسي ليكون جاهزآ دائمآ على الرد على اسئلة الواقع بما يتلائم مع علاقة جوهره بصفاته العقلانية التي اكتسبها عندما يكون في موقع المسؤولية .
فيما طرحناه لاتوجد مشكلة في جوهر الإنسان على هذا النحو كونه جوهر واحد لدى الجميع , إلا ان ذلك يختلف عما هو موجود اصلآ على الأرض من عناصر مادية قبل وجود الإنسان , فمثلآ عنصر الملح الذي لايمكن ان نتصور صفات جوهره بغير الملوحة التي فيه , وهو لايتغير بصفاته أو يحال بطريقة اخرى الى سكر على سبيل المثال بأي شكل من الأشكال , وهذا بالضبط ينطبق على السكر نفسه .
لذلك فإن الملح والسكر لايتفقان بالصفات الجوهرية من الناحية الوجودية ولا بالصفات ابدآ , كما هو الحال في صفات جوهر السياسيين التي تتباين فيما بينهم , ولايمكن ان تنجذب صفات جوهر الى جوهر آخر ولو بعلاقة جديدة أو بعقد اجتماعي جديد يجري بالتوافق مالم يكن بينها شيئآ من التشابه بالصفات .
وهذا إذن قانون مجمله يقول : أولآ , ” ان ماتتصوره في جوهر السياسي ( س ) لايمكن ان تجده في جوهر السياسي ( ص ) وهذا بتعبير آخر ومجرد من الإستطراد , يعني علاقة الفرد مع ذاته ,
فعندما يريد حاكم الدولة ان يعيّن وزيرآ للمالية , مثلآ , وجوهر الوزير بمواصفات لصوصية ليست بالدقة التي تتفق مع الشكل النوعي للوزارة , إنما يؤكد ان في هذا التنصيب فقدان للإرادة السياسية ومعها العقلانية لدى الحاكم ان يضع جوهرآ لإنسان لاتتوافق صفاته مع متطلبات عمل لايليق إلا بصفات جوهر آخر تنسجم مع الشكل النوعي لهذا المنصب الحكومي كما اسلفنا .
ثانيآ , ويقول القانون في هذا التنصيب من الناحية المجازية , ان الحاكم إنما يدعو الى تدمير الدولة , لأنه هو نفسه , وفقآ لقانون سبينوزا , توافق ببعض صفات جوهره المتباينة مع مايشابهها في صفات جوهر الوزير الجديد ,
وسيكون من المستحيل ان ينجم عن جوهر الوزير أو ماهيته أي نموذج عمل مثالي اومعياري يحقق للبلاد الفائدة الربحية , فضلآ عن بقاء حالة استحالة تحاشي مافعلته من قبل الماهيات السياسية السابقة بطريقة التوافق الخاطئة .
ويعد الحاكم في عمله هذا, أيضآ , غاضبآ على البلاد , إذ انه ارضى وزير المالية ومن يقف ورائه بإغضاب الله , وبهذا خالف صفة واحدة من صفات جوهره عن طريق التوافق مع صفات جوهر إنسان آخر على حساب مصلحة البلاد والناس , وفي هذا المقال حديث للرسول (ص) يقول فيه مايطابق ذلك :
“من ارضى الله بإسخاط الناس كفاه الله مابينه وبين الناس , ومن ارضى الناس بإسخاط الله , وكّله الله الى الناس ” .
ثالثآ , ان الجوهر كالغرس الواغل بالأرض , فالنخلة ,مثلآ, يجب على الأقل ان تتفق مع غرس آخر يشابهها ولو بصفات محددة لكي لاتتسبب بعلة في الوصف عند إقتلاعها من تربتها الأصلية الى تربة ذلك الغرس الآخر .
ترى هل أحسّ القاريء بأن هناك تجاذب وتضامن وجودي بين جواهر الإنسان الذاتية المتشابهة بالصفات , والعكس صحيح أيضآ ؟!
الجواب : نعم , عندما يستخلص من القول , ان الجوهر الغاضب على اللصوص هو الجوهر المتباين بالصفات مع صفات جوهر اللص , بل ويحذر دومآ بالكثير من الغيرة على وطنه على تنصيبه في هذا المنصب وإن كان الواقع الذي يمر به البلد رتيبآ بإنتاج اللصوص , والإنطباع السائد لدى الناس يردد ان الحكومة هي نسخة طبق الأصل من سابقتها .
والقارئ سيدرك أيضآ , ان السياسي الغاضب على اللصوص هو السياسي الطامح الى ارضاء الناس وكسبهم بالتغيير في مسار الواقع الفاسد وإقصاء من يمتلك جوهرآ بصفات تبطيء حركة الحياة ولا يتمتع ببعد النظر الذي تنشده الدولة , ويتم ذلك بإرادة صارمة لاتنظر سواء الى الفاسد أو اي فرد بغير النظر الى صفاته الجوهرية الرصينة .
15 ايلول 22

أحدث المقالات

أحدث المقالات