20 ديسمبر، 2024 8:04 ص

من نصائح العلماء للأمراء

من نصائح العلماء للأمراء

-1-
هناك حديثٌ يروى عن الرسول (ص) يقول :
{ اذا رأيتم المَدَّاحين فاحثوا في وجوههم التراب }
                                            الجامع الصغير للسيوطي ص52
ومن هنا ترى العلماء الربانيين حريصين أشد الحرص على إسماع الحكام والسلطويين مُرّ الحق ، وإنْ لم يَرُقْهُمْ ذلك ..!!
-2-
يُستثنى من ذلك شريحة يُطلقُ عليها اسم (وعاظ السلاطين)، وهذه لاتخرج عن ممالأة الحكّام ، والنطق بما يُرضيهم ، بعيداً عن حسابات الدين ،ومقتضى الموازين .
-3-
ومما حدّثنا به التاريخ :
أنَّ عمر بن هُبّيْرة وقد ولاّه يزيد بن عبد الملك (101 هجرية – 105 هجرية ) العراق وضم اليه خراسان ، بعث الى :
الحسن بن ابي الحسن البصري ،
وعامر بن شرحبيل الشعبي ،
ومحمد بن سيرين
وذلك سنة 103 هجرية ، فقال لهم :
” إنّ يزيد بن عبد الملك :
خليفة الله استخلفه على عبادِهِ ،
وأخَذَ ميثاقَهُم بطاعتِه ،
وأَخَذَ عَهْدَنا بالسمع والطاعة ،
وقد ولاّني ما ترون ،
يكتبُ اليّ بالأمر من أمره فأنفذه ،
وأتقلد ما تقَلدَهُ من ذلك ،
فما ترون ؟ “
ويلاحظ هنا :
1 – أنَّ (ابن هُبَيرة) استدعى العلماء وأحضرهم الى مجلسه، بدلاً من أنْ يقوم بزيارتهم ، ويطرح عليهم الاسئلة …
ولم يكن ثمة من مَقولاتٍ سبب لذلك، إلاّ الغرور السلطوي الذي جعله مُنتفخَ الذات… مَذموم الصفات …!!!
2 – انه استهل اللقاء مع العلماء بأقوال لم يُنزل الله بها من سلطان ، من طراز قوله عن يزيد بن عبد الملك أنه :
(خليفة الله) ..!!
وأنَّ الله سبحانه أخذ ميثاق العباد بطاعَته …
الى آخر ما أورده من مقولاتٍ جعلها من المسَلّمات الثابتة مع أنها ليست كذلك يقينا ..!!
3 – وبعد ذلك شرح الحال وقدّم السؤال ..!! وقال :
(( ما ترون )) ؟
انه يُريد انتزاع الموافقة منهم على كل ما ينفذه من أوامر السلطان ..!!
يقول المسعودي في تاريخه /ج3ص166 :
(فقال ابن سيرين والشعبي قولاً فيه تَقيةٌ “
اي أن ابن سيرين والشعبي أجاباه الى ما يريد، دون معارضته خوفاً منه..!!
انهما – بناء على ذلك – وقعا في الفخ …
وهنا بادر (ابن هبيرة) فقال للحسن البصري :
ما تقول ياحسن ؟ فقال الحسن :
” يا ابن هبيرة
خف الله في يزيد ،
ولا تخف يزيد في الله ،
إن الله يمنعك من (يزيد) ،
وإنّ (يزيد) لايمنعك من الله ،
وأوشك ان يبعث اليك مَلَكاً فيُزيلك عن سريرك ، ويخرجك منْ سعة قصرك الى ضيق قبرك ،
ثم لاينجيك إلاّ عملُكَ
يا ابن هبيرة :
إنّي احذرك ان تعصي الله ،
فلا تتركن دين الله وعباده بسلطان الله ، فانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق “
انّ الحسن البصري وضع النقاط على الحروف ، دونما مجاملة أو وجل من ابن هبيرة ، وهذا هو الموقف الصحيح …
يقول المسعودي :
(ان ابن هبيرة أجازهم) – اي منحهم الجوائز
(وأضعف جائزة الحسن)
لان الصدق سيد المواقف ،
( فقال الشعبي :
سَفْسَفْنا فسفسف لنا )
-4-
إنَّ كاتب السطور لم يداهن، ولم يُجامل على حساب ما يعانيه الشعب العراقي من آلام ومخاضات صعبة …،
وحسبه انه واجه السلطويين المعاصرين بما يجب ان يسمعوه ، وَذَكَرّهمُ وَنَصَحَهُم من موقع المسؤولية الشرعية والوطنية ، ولكنَّهم أصمّوا آذانهم ….
ولم يصغوا لموعظةٍ او نصح ، بعد أنْ أقيمت عليهم الحُجّة ، ولن ينجوا من حساب الله والتاريخ .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات