لا يحتاج رئيس الحكومة، أيّ حكومة، لاتّخاذ قرار بمكافحة الفساد الإداري والمالي إلى أكثر من 24 ساعة، ولا يحتاج هو أيضا لأكثر من أسبوع واحد بعد ذلك للشروع في تنفيذ قرار كهذا، إذا ما كان يريد اتّخاذ هكذا قرار وتنفيذه.
هذا ما تقوله تجربة الزعيم الماليزي مهاتير محمد (92 سنة) العائد إلى رئاسة الحكومة أخيراً بعدما استقال منها منذ خمس عشرة سنة. هي تجربة برسم رئيس حكومتنا حيدر العبادي الذي، كسلفهِ نوري المالكي، تحدّث بأعلى صوت وقطع العهود والوعود بمكافحة الفساد وبشنّ حرب على الفاسدين شبيهة بالحرب على داعش، أكثر ممّا تحدث وتعهّد وتوعّد بشأن أيّ موضوع آخر.. لكنّنا كنّا دائماً نسمع جعجعة ولا نرى طحناً..!
في تسعة أيام فقط قلب مهاتير محمد عالي الأمور في بلاده سافلها، مُجتاحاً في الحال بؤرة الفساد، رئاسة الحكومة، بقرار اتّخذه خلال يوم واحد بعد عودته إلى رئاسة الحكومة بإجراءات فعّالة وعاجلة لملاحقة الفاسدين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة السابق نجيب عبد الرزاق وزوجته روسمة منصور وبعض أقاربهما، ولاستعادة مليارات الدولارات التي جرى تهريبها بعمليات غسل أموال تواصلت لما يزيد على عشر سنوات.
في العاشر من الشهر الحالي دخل مهاتير إلى القصر الملكي في العاصمة كوالالمبور ليؤدّي اليمين الدستورية وليبدأ رسمياً مهامّ رئاسة الحكومة بعد فوز حزبه”جبهة الأمل”في الانتخابات البرلمانية التي خاضها مهاتير عائداً عن قراره باعتزال العمل السياسي منذ 2003.
ما إن انتهت مراسيم اليمين، حتى اتّخذ مهاتير أول قراراته: فتح ملفّ الفساد، فمِن أجل هذه المهمّة بالذات عاد هو إلى السياسة وإلى رئاسة الحكومة التي سبق وأمضى فيها 22 سنة (1981 – 2003) ليجعل من ماليزيا، بفضل نزاهته وكفاءته ووطنيته، نمراً آسيوياً وعضواً في نادي الدول الصناعية المرفّهة بعدما كانت بلداً زراعياً فقيراً ومتخلفاً. وفي إطار ذلك أصدر قراراً بمنع سلفه الفاسد وزوجته من السفر ليبدأ التحقيق معهما في قضايا الفساد المتّهمينِ بها. كما بدأ التحقيق مع مسؤولين كبار آخرين في وزارة المالية وجهاز الادعاء العام لصلتهما بقضايا الفساد.
وأعلن مهاتير أنّ حكومته ستعمل على استرداد مليارات الدولارات التي حُوّلت إلى الولايات المتحدة وسويسرا ودول أخرى في عمليات غسل أموال.
في السابع عشر من الشهر الحالي أنشأ مهاتير هيئة حكومية مكلّفة مكافحة الفساد في كلّ مؤسسات الدولة. وفي اليوم التالي استدعت الهيئة رئيس الحكومة السابق للمثول أمامها، فيما دهمت الشرطة منزله لتضبط 284 صندوقاً و72 حقيبة يدويّة فاخرة محشوّة بالأموال والمجوهرات.
السيد العبادي لديه الآن شهران في الأقل قبل أن تتشكّل الحكومة الجديدة، برئاسته أو برئاسة غيره.. يُمكنه في هذين الشهرين أن يحقّق ما حقّقه مهاتير محمد في تسعة أيام… إذا ما أراد… لكنْ هل هو يريد..؟!