بعد كل سنوات الظلم والظلام ، وبيع البلد أمام أعيننا ، ورهن ماضيه وحاضره ومستقبله ، بعد كل أساليب القهر وإقصاء الأغلبية ، بعد الإثراء والسرقات الأكبر في التاريخ على حساب الفقراء ، والسنوات الطوال من الإستخفاف بحياة المواطن وهدر كرامته ووصم سمعته بالعار أمام كل سكان وجر الذئاب التي يسمونه كوكب الأرض ، ظهر الأمل ولو متأخرا كثيرا من خلال ثورة تشرين ، فمن العار علينا أن نبقي على هذه الطبقة السياسية ولو للحظة واحدة من التسلط على رقابنا ، بكل أطيافها وكتلها وتياراتها وتجمعاتها ، وإن لجأت إلى أكثر الأساليب الدموية خسّة وغدرا وغيلة في استهداف المتظاهرين العُزّل ، الذين لم يخرجوا بطرا سوى لأجل تحقيق أحلامهم بالعيش مثل باقي البشر .
طبقة سياسية طفيلية متخلفة تاجرت بأكثر القضايا قدسية ، أحزاب بلا قواعد جماهيرية ، بل خسرت ما تبقى من الأتباع والمعاقل بعد الأحداث الأخيرة ، وركبت الموجة تلو الموجة ، منها الفرصة الذهبية التي إغتنموها في الإنضمام للحشد الشعبي لمحو ماضيهم الأسود ، الحشد الذي استشهد فيه الآلاف من الشباب اللامنتمين لحزب ما أو كتلة ، من الذين لبوا بصدق دعوة الجهاد الكفائي بعد أن زالت ثقتنا بالجيش وقوى الأمن آنذاك ، جنود مجهولون غصّت بهم المقابر ، لكن الله كتب النصر على أيديهم ، وتطل الطبقة السياسية برأسها القبيح ، لتسرق النصر منهم ، تذكّرني تصرفاتهم بثورة بني العباس عندما إنتقموا من الأمويين تحت شعار (يا لثارات الحسين) ، وعندما تمكّنوا ، كان أول ما تنكّروا له هو مبادئ (الحسين) وفعلوا ما فعلوا ، حتى قال قائل (تاالله ما فعل بنو أمية معشار ما فعلت بنو العباس) ! .
(الإنسان إذا مَلَكَ ، إستأثر) ، قاعدة ذهبية صاغها سيد البلاغة الإمام علي (ع) ، لكني لم أتصور ، أن الإمام كان الإستثناء الوحيد لهذه القاعدة ، وكنت أعتقد أن شاعرنا (مظفر النواب) قد ذهب شططا عندما قال مخاطبا الإمام (لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك ..) ، ودارت السنون ، وإذا بالحقيقة أبشع بكثير !.
تغص مواقع التواصل الإلكتروني بنتاجات رخيصة لجيوش إلكترونية مدفوعة الثمن ، لتلويث ساحة المعتصمين ، وتسفيه مطالب المتظاهرين ، وحقيقة إن ما استوقفني ، هو التكالب على وصف المطعم التركي ، فتارة هو ماخور لممارسة الرذيلة ، وأخرى هو بار للمشروبات المسكّرة ، وأخيرا وليس آخرا ، هو مأوى للوطية ! ، وكل هذا كذب وبهتان ، فلطالما التقيت بمتظاهرين في ساحة التحرير على درجة عالية من الوعي والمسؤولية والتنظيم والتعاون والإصرار ، والكثير منهم لا يستطيع مغادرة الساحة ليقينه بأنه لن يصل لذويه ، حاله حال العشرات ممن قضوا خطفا وقتلا وإهانات على يد فرية يسمّونها (الطرف الثالث) ، فلا يوجد طرف ثالث لأن أول المستفيدين هو الطبقة السياسية ، التي لم تأبه ولم يرف لها جفن على مئات الشباب الشهداء ، فكل دول العالم تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا أصيب مواطنها بخدش ، إلا طبقتنا السياسية التي إسترخصت دماء الشباب إلى أبعد الحدود ، وقيدت كل تلكم الجرائم إلى خادمها (الطرف الثالث) ، كل ذلك ، والطبقة السياسية ماضية بإعداد الطبخات السامة وكأن شيئا لم يكن ، طبقة لاتحترم المواطن بعد سلبته كل حقوقه ، فكيف تنتظر منه الإحترام ؟ .