يعلم الجميع ان الاتحاد السوفيتي كان بالمطلق يقصد به روسيا لكونها أكبر جمهوريات هذا الاتحاد مساحة وقدرات إقتصادية ، وانها كانت الساحة المفتوحة لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى ، وان عمالها تركوا سفنهم والتحق بهم الفلاحون ليكونوا نواة الثورة الشعبية التي أطاحت بالقيصرية المتجمدة ببياض الثلوج السيبيرية او المتجمدة ازاء التقدم الذي لحق بالعالم مطلع القرن العشرين ، فاذا كان لتنظيمهم الطليعي الدور في تأجيج الصراع ضد آل رومانوف ، فان لزعيمهم فلاديمير لينين الدور في توحيد جهود الفلاحين وهم أسرى الاقطاع والطبيعة والعمال وهم أسرى استغلال الرأسمالية البدائية الروسية ، ولقد كان لهذه الحركة التأريخية ان حولت روسيا من حقبة الظلام الذي كان يلف جارتها الدولة العثمانية الى دولة طبقية غيرت مفاهيم العالم ومفردات الشعوب وحولت تواريخها حتى هذه اللحظة الى ساعات توقيت لانقاذ تلك الشعوب من ظلم الاقطاع المحلي او تعسف الرأسمالي الصغير وصولا الى الصراع مع الرأسمالية العالمية ، التي استغلت تاريخيا موارد الشعوب منذ فترة الاستكشافات الجغرافية ، فلقد استغلت الرأسمالية جهود المهاجرين إلى جزائر الهند الشرقية او العالم الجديد في القارة الأمريكية او استغلال الموارد والبشر في أفريقيا والشرق الاوسط ، لتعمل على تكوين تراكم للرأسمال الذي أصبح سندانا والآلة العسكرية مطرقة تزحف كل يوم على دولة من الدول ، وآخرها كان العراق واليوم تعمل زعيمة هذا العالم البغيض على التدخل في فنزويلا ، او حركة الروس في أوكرانيا ضد الناتو ذراع الرأسمالية . او بالمجمل تدخل الغرب في شؤون العالم لم تكن له حدود ما دامت الرأسمالية تتوسع أزماتها تتفاقم نتيجة تناقضات داخلية أهمها ظهور التكنولوجيا المعادية لصراع العامل المعتمدة على الالكترون الذي يتطلب أبدي عاملة قليلة وبانتاجية عالية .
لقد كانت بريكماتية الزعيم لينين خطا وفعلا واضحا في تحويل النظرية الماركسية إلى واقع ملموس وعمل محسوس حولت بموجبهما روسيا ذات الاقتصاد المغمور إلى اقتصاد يفتح تجربة العالم الجديد نحو الاشتراكية ودور الطبقة العاملة التي كانت مستغلة على مساحة كل العالم ووحد بين المفرق بينها الا وهم كل من العمال والفلاحين وجعل من أمالهما قاسما مشتركا للتحول الاقتصادي وجعل من روسيا والمقاطعات المجاورة لها دولة جديدة لها قابلية الوقوف بوجه الدول الصناعية الأوربية او الويلايات المتحدة ،،،رغم عمقها الاقتصادي والتأريخي ،،، وأصبح بذلك الاتحاد السوفيتي خلال مدة قصيرة طرفا دوليا عملاقا كون معسكرا اشتراكيا من حوله بعد الحرب العالمية الثانية ، وبعد انتهاء الحقبة السوفيتية وانفضاض المعسكر الاشتراكي ، ظلت الراسمالية تلاحق روسيا الاتحادية لا لشئ الا لانها تحمل بذور الدولة الواعية لتناقضات النظام الرأسمالي وحقده المبيت لكل قطب لا يسير في خطه المستقل للدول او الشعوب .ولقد أصاب الشعب الروسي الخيبة جراء التحول نحو الرأسمالية ، ومتابعة الحزب الشيوعي الروسي لما بدأته بوريس يلسن من تبعية للغرب ان تقدم الجميع حزب روسيا وفلادمير بوتين ليردوا على الغرب الرأسمالي ان العالم لا يمكن ان يعيش تحت راية قطب واحد ،،خاصة القطب المعبأ بافكار الراسمالية ومن حوله دول تابعة ذات امكانيات اقتصادية هائلة لا زالت تسبب الآلام الكثيرة للبشر ، جراء استغلال الموارد او افتعال الحروب ، ورغم أننا لا نؤمن بقوة الإمبراطوريات ، ولكن نقول أن روسيا هي وريثة لامراطورية عملاقة والإمبراطوريات في الزمن الغابر لاتتكون من فراغ إنما لتوفر امكانيات اقتصادية وبشرية هائلة ، ولقد تشكلت روسيا تاريخيا من عوامل متعددة وهي ذات العوامل الفاصلة اليوم في قدرة هذه الدولة وشعبها الصبور في مقارعة الإمبريالية .
ان لروسيا اليوم موقف تجاه الغرب تدفعه ثلاثة عوامل ، الأول انها وريثة الاتحاد السوفيتي ، وفيها ثانيا حزب شيوعي عظيم ، وثالثا تقدمها قيادة واعية لها خبرة الاتحاد السوفيتي في تحركات ونوايا الغرب القديم ، ولقد ولج الروس خلال العقدين الاخيرين نحو مشاكل العالم بنظرة طبقية تقوم على اساس ان الراسمالية لا زالت تعكس ازامتها على العالم وخاصة بعد الازمة العقارية الامريكية عام 2008 وما تركته من اثار جانبية على الاقتصاد العالمي بفعل عوامل كثيرة اهمها الشركات المتعدية الجنسيات ، او الميول الغربية لاتباع اقتصاديات الدول الناهضة حديثا لاقتصاد الاحتكار من خلال لعبة الاستثمار . ورغم الاختلافات بين الدول الرأسمالية في عهد الرئيس ترامب حول الحمائية التجارية الا انها توحدت اليوم ضد روسيا ، رغم اهمية الغاز الروسي لاوربا ، وانها باتت مرغمة لزيادة حصصها في تمويل الناتو ليقوى دائما بوجه الروس .
ان الطغيان الامريكي وما يتبعه من تأييد اوربي بات بحاجة إلى موقف عربي قبل مواقف الغير لان العرب هم الأكثر تعرضا للظلم ابتداءأ من القضية الفلسطينية وانتهاء بقضية احتلال العراق ،باتوا بحاجة إلى موقف لا يتعاكس مع الموقف الروسي بل يسير إلى جانبه وان ينفتح العرب بدولهم واقتصاداتهم نحو الاقتصاد الروسي ، ولهم في تركيا الأطلسية خير مثال على التمرد على القيد الامريكي المؤلم ، وباتت تشكل سابقة لكل من يريد أن يكون حرا في اختياراته ، واليوم بعد كل ما تقدم يشهد العالم في عهدة الرئيس بوتين الحالية تحولا متقدما نحو تشكيل تجمع جديد يتكون من روسيا وسوريا وإيران ، وربما بدرجة اقل تركيا بعد الوقوف على نتائج مغامرتها الحالية مع الويلايات المتحدة . وهذا التجمع وان كان انيا لظروف الشرق الاوسط الا انه يمكن الاخذ بتكريسه والبناء عليه ، كما لا يمكن ان يغفل اي محلل سياسي مواقف الصين تجاه حركات الشعوب ودخولها حلبة الصراع الاقتصادي مع الرأسمالية الغربية او ربما العسكري بشأن بحر الصين الجنوبي او جزر كيموي . او ما تسمى بالصين الوطنية.
ان العالم شهد حضورا روسيا فاعلا هو حضور لا يمكن للمنظر الماركسي ان يغفله لانه يقوم على اساس صراع انظمة مختلفة تقف وراءها اقتصاديات مختلفة وشعوب ذات نزوع تقدمي ، وان الشيوعيين الروس مطالبون اليوم ان لا يختلفوا مع بوتن في صراعه مع الويلايات المتحدة رغم اخطائه الداخلية ، فالحصار المفروض على روسيا هو حصار مستمر منذ الاختلاف مع زعامة كزعامة بوريس يلسن ، او حتى مع كورباجوف ، فالمقصود النموذج الروسي المعادي للامبريالية ، المقصود القطاع العام الروسي ، كما هو المقصود الاقتصاد الصيني الذي بدأ يستقطب اعظم الشركات الامريكية كي يدعها تتمرد على الدولة الام الويلايات المتحدة .
ان اتباع الرئيس ترامب الحمائية التجارية على عكس المسلمات الرأسمالية ، يراد بها إيجاد وسائل دفاع جديدة للرأسمالية غير السلاح التقليدي ، فالسلاح التقليدي تعودت عليه الشعوب ولم تعد تخاف منه ، اما الحمائية التجارية فهي تمثل خوف الرأسماليين من انتاجية الشعوب المنافسة ، ومن خط الحرير الصيني الذي بات يهدد الرأسمالية في الصميم ، وان مد خط السكة الحديد من اوربا الى الصين عبر الاراضي الروسية ، فهي لعبة بوتين الذي يذكر بها الغرب ان حصارهم لروسيا لا ينفع أمام حاجة الغرب للغاز الروسي او الجغرافية الروسية التي تشد الغرب بالشرق الأصفر عملاق الاقتصاد المنتظر ، وبهذا التحول يكون الرئيس بوتن قد ذكر العالم بالدور الروسي العظيم الذي بشر به الزعيم فلاديمير ايليتش لينين…