إن وقفة قصيرة مع النفس نتصور من خلالها دور رجل السياسة في المجتمع يجعلنا ندرك ضخامة الدور الذي يقوم به هؤلاء وعظم المسؤولية التي تقع على كاهله فما هذه الألوف المؤلفة من أبنائنا وفلذات أكبادنا إلا غراس تعهدها رجل السياسة بماء علمه فانبعثت وأثمرت وفاضت علماً ومعرفة و( السياسة ) فخ وبئر عميق وكهوف مظلمة وقع فيها بلا رجعة الكثير ممن كان يعتبر نفسه الزعيم الأوحد أو منقذ البشرية ، كالزعيم الألماني النازي أدولف هتلر الذي إنتحر مع كلبه وحُرقا ودُفنا مع عشيقة هتلر في مكانٍ مجهول ، وأخذتُ هتلر كمثالٍ من بين آلاف الطغاة والبغاة الّذين غصَّت بهم سطور التأريخ وبلاطات الظلم وحولوا وجزأوا البشرية إلى مالكٍ ومملوك وغنيٍ وفقير لأنَّ هتلر إعتمدَ في تصدير عقيدته إلى الشعب الألماني بناءً على أكذوبة التفوق العِرقي للجنس الآري على بقية الشعوب فضلاً على تقلباته الإيديولوجية من معسكر فكري إلى آخر وتلبيةً لما تفرضه عليه أمراضه النفسية وعقدته بالنقص !وهذا ماجنته الإنسانية من هتلر .. خمسةٌ وعشرون مليون قتيل وخمسون مليون بين جريح ومعوق وأسير وتقسيم دول العالم إلى دويلات وإشاعة الفقر والخراب والأمراض والأوبئة والمشاكل التي يُعاني منها العالم حتى الآن.. في العراق يعودُ لنا هتلرٌ آخر يُكنّى ( أبو إسراء ) ظلَّ مختفياً في منصب رئيس الوزراء العراقي لثماني سنوات تحول فيها من بائعٍ للخرز إلى أكبر مالكي العقارات في العالم ويملك طائرات خاصة وأرصدة مالية تفوق الخيال وعلاقات مع مافيات دولية لتهريب الآثار وبيع وشراء السلاح وتنصيب وزراء ومحافظين ، هذا المريض الأحمق إعتقد الكثير من أتباعه أنه جسر النجاة من مأزق الفوضى السياسية في العراق ، فهو عراقي عربي شيعي (كان) في المعارضة وقائداً في حزب الدعوة .. طويل القامة ويتحدث بأسلوب قيادي جريء وصوت يتناسب إيقاعه مع حجم الكلمات ونظارات طبية أجنبية! وهو رسم كارتوني أوقع العراقيين مراراً في فخ الإعجاب الكاذب بشخصيات أميّة متخلفة ، هذا ظاهر المالكي أما باطنه ورُغم كل الظروف التي مرَّ بها العراق في سنوات توليه لرئاسة الوزراء بقيَ غامضاً .. فالسنّة إعتقدوا أنه سياسيٌ معتدل لابد من التفاوض معه والوصول إلى حل فطارت منهم رئاسة الوزارة في الولاية الثانية مع أنَّ الذي قاد حملة الحوار والتفاوض مع المالكي شيعي علماني يقود التكتل السياسي السني ( أياد علاوي ) .. والأكراد لطالما صرحوا في بداية توليه السلطة أنَّهُ السياسي العراقي المناسب جداً للتفاوض والحصول على مطالبهم قبل أن ينقلبوا عليه .. أما الشيعة ، فما زال شيعة الجنوب يؤيدون ويناصرون المالكي لحد الآن وهم نفسهم من تصدى وأباد ولاية الفقيه وتصدير الثورة الإيرانية وسحق الجيش الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988) ماأوقع المالكي في الورطة نفسها التي وقع فيها سابقوه ممن إعتقدَ أنَّ شيعة الجنوب من المؤيدين له لكنهم إنقلبوا بيومين لا ثالث لهما ، عكس شيعة الوسط فبدأ سخطهم ومعارضتهم للمالكي واضحاً وتسلل إلى أقرب المقربين وهم قيادات حزب الدعوة على لسان أحد أكبر أقطابها الشيخ جمال الوكيل الذي دعا إلى محاكمة المالكي وسجنه بتهمة الفساد والخيانة !هذه المعطيات جميعاً لم تثنِّ المالكي عن الإستمرار في مسيرته الخائبة وإلتماس وجمع التأييد من شيعة الجنوب تحديداً وبعض المعارضين السنة الّذين وعدهم بمناصب في حال توليه السلطة مرةً أخرى أما الأكراد فلم يتوضح أمرهم وموقفهم لأنَّه سابقٌ لأوانه كما أعلن عنه أحد سياسييهم ملمحاً إلى عودة الإفتراضات والإبتزازات وبيع الذمم بين الأكراد والمالكي.. أبو إسراء فضح نفسه قبل أيام وأنهى حياته السياسية وإنتحر ببضع كلمات أمام حشد جماهيري من أهل البصرة تم جمعهم بتوزيع مبالغ مالية لهم قبل بداية شهر رمضان الماضي بأيام ووعود بتوزيع أراضي جديدة !كان من الممكن التأني والمراوغة وإعتماد الخطاب الرمزي أمام وسائل الإعلام ، لكنَّ أبا إسراء المسكين وبسبب جهله وحماقته وتهوره وتسرعه فجَّرَ قنبلة الموسم وكشَّرَ عن أنيابه وقلبه الحاقد ولسانه الأسود حين إتهم أكثر من خمسة ملايين سني نازح بأنهم أعلنوا الحرب على الشيعة ! أيمكن لطفل عراقي أن يخطأ مثل هذا الخطأ !أنا أجيب بالنفي فالعراقيون الشيعة والسنة تفننوا في إظهار أساليب جديدة في قاموس المجاملات متناسين وقاحة السياسيين وكذبهم فالسني وهو فوق جسر بزيبز تاركاً بيته وأمواله ، نازحاً من مدينته يستقبله الشيعة في بيوتهم مرحبين عكس السياسيين وفرضهم لقيود خيالية تحدُّ من تدفق النازحين إلى بغداد ومدن الوسط ، ولو بقيت الأمور على حالها بعيدةً عن تدخل أي سياسي عراقي لما حدثت أي مشكلة .. وهذا ما جناه العراق والعراقيون من تراكمٍ سيء للإحتلال تمثل في كشف وفضح أوراق رئيس وزراء دولتهم لثماني سنوات وهو يدعو إلى حربٍ أهلية بلا خجل وبلا حياء كما جنى العالم والألمان من هتلر .. فالمالكي أحسَّ بأنه مطوق من حزبه ومن أقرب المقربين السابقين له فلجأ إلى الناس البسطاء .. خاطب عينةً منتخبةً من فقراء الجنوب وتحديداً في البصرة وهي تشهدُ ثورةً بين عملاء الأقلمة وقائدهم وائل عبد اللطيف وبين الخط الوطني ودعواه إلى الوحدة وبقاء البصرة ضمن عراقٍ واحد .. ومن عجائب الأمور أنَّ المالكي أول وأكثر وأشد من تصدى لإقليم البصرة ودعوات النفر الضال الفاسد من بعض سياسييه وها هو الآن يَعِدُ هؤلاء بإقامة إقليم في حال توليه السلطة مرةً أخرى .. شخصياً لم أكن أتمنى أن ينتهي المالكي هذه النهاية المضحكة لأنني لم أقرأ في معاجم السياسة وقواميسها غباءً كهذا ودعوةً للعراقيين جميعاً أن يتصدوا لهذا المحور ومن يؤيده .. وحسناً فعل المالكي حين فقد ما تبقى من رباطة جأشه ( إن كان يملكها ) وكشفَ عن فصيلٍ يعشعش داخل أروقة الكواليس الشيعي غير المعلن وسيجدُ من يُصفق له ويحمله فوق الأكتاف من المتربعين على عروش السرقات والنهب والإتجار بدماء العراقيين .. أما الشارع الشيعي الوطني العراقي الأصيل فهو أول من تصدى لِصعلوك السياسة العراقية وسبب خرابها وأساس الفتنة بين العراقيين المدعو نوري المالكي !