إلى ترامب ابن أبي العم سام.. مثلي لا يبايع مثلك. كثيرون يتساءلون لماذا يصرّ الشيعة على إحياء السيرة الحسينية، بل يظنها البعض تحديًا وعداءً للآخرين، غير أن الحقيقة أعمق من كل هذه التصورات. فالحسين لم يكن قائدًا يسعى إلى جاه ولا سلطان، بل كان ثائرًا على حاكم ارتكب من الموبقات ما لم يسبقه إليه أحد، ووراءه جوقة من وعّاظ السلاطين الذين كانوا يسوغون له كل انحراف، حتى صارت كلمته قانونًا وظلمه قدرًا. في تلك اللحظة ارتفع صوت الحسين ليعلن للعالم كله: “لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، إنما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي“.
هذه العبارة لم تكن مجرد جملة في خطبة، بل كانت سيفًا مسلطًا على رقاب الطغاة في كل زمان. أرقَت مضاجعهم، لأنها وضعت حدودًا فاصلة بين الكرامة والذل، بين الإصلاح والفساد، بين الولاء لله والولاء للعرش. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف الحكام المستبدون عن محاربة هذه الروح، سعوا بكل ما أوتوا إلى منع الدروس الحسينية، وأحرقوا الكتب، وضيّقوا على الخطباء، وساقوا الأحرار إلى السجون. لكن الشيعة على امتداد القرون لم يتراجعوا، أقاموا مجالسهم في السرّ والعلن، وواجهوا القمع بالتحدي، والتعذيب بالصبر، لأنهم يدركون أن ذكرى كربلاء ليست طقسًا عابرًا بل ميثاقًا مع الدماء التي رفضت المساومة.
اليوم تغيّرت الوجوه ولم تتغير المعادلة. أغلب الحكام العرب باتوا أسرى كراسيهم، يطوفون حول البيت الأبيض كما يطوف المتعبد حول معبده، يغدقون الأموال، ويقدّمون الولاءات، ويستجدون الحماية كي يبقوا على عروشهم الواهية. صاروا يبيعون أوطانهم بأثمان بخسة، ويفخرون بولائهم لابن العم سام، وكأن الشرعية تُمنح من واشنطن لا من إرادة الشعوب.
لكن مدرسة علي والحسين ما زالت ترفع رايتها عالية: لا بيعة للطغاة. ليست القضية شعارًا، بل موقفًا أصيلًا نابعًا من عمق الوجدان. فكما لم يحنِ الحسين رأسه ليزيد، لا يمكن لأتباعه أن يحنوا رؤوسهم لطغاة العصر، مهما تبدلت الأسماء وتغيرت الألوان. نحن نعلم أن طريق الحق محفوف بالمحن، وأن الثبات على المبدأ قد يكلّف الكثير، لكنه في النهاية الطريق الوحيد لحفظ الكرامة.
كربلاء لم تنتهِ عند حدود عام واحد، إنها ممتدة في كل زمن، تحضر في كل مواجهة بين الحرية والعبودية، بين العدالة والجور. ولهذا فإن إحياءها ليس عداءً لأحد، بل هو استمرار لوعد قطعناه: أن نبقى على خطى الحسين، نقول للظالم مهما كان عرشه عاليًا وسلطانه جبارًا: لا بيعة لك.. ولا خضوع لجبروتك.