خلال الفترة المنصرمة أبرز لنا الإعلام مجموعة من الأبطال على طريقة أفلام رامبو من الذين يتربعون على المشهد السياسي ولم يكن بروزهم سوية محض صدفة ، بل يبدو أنه يسير ضمن مخطط مدبر بليل لكن الشمس أشرقت عليه وأظهرت بعض ملامحه ، فظهر البطل الأول وهو العامري يمجد بالبطل المالكي وأنه هو الذي أسس الحشد ، ومن ثم ظهر لنا البطل الثالث وهو الغبان يقدم استقالته بعد تفجير الكرادة ليظهر للناس بأنه المسؤول الذي يهتم بالمواطن وأمنه .
وبعد حصول التفجير وكما تعودنا أُلقي الاتهام على داعش وهي بدورها تبنته كما جرت العادة ، لكن الغريب أن أبناء الشعب العراقي لا يتهمون داعش بل يتهمون جهات سياسية تابعة لدول الجوار بالوقوف خلف هذا التفجير .
ونحن سنحاول أن نقرأ الحادث من أكثر من زاوية وهل نفذته داعش التي توصف بأنها صناعة أمريكية ؟ وما هي الغاية من ذلك ؟ فهل ترغب أمريكا باستبدال العبادي الذي ظهر ضعفه أمام سطوة الجانب الإيراني وأذرعه ؟ أم إن أمريكا ترغب في التدخل بصورة مباشرة لممارسة السلطة في العراق فلجأت إلى هذا التفجير لإرباك الوضع الأمني وزج الحشد وإيران في المشهد ومن ثم توجيه ضربة موجعة لهم وبعد ذلك تقوم بإعادة ترتيب البيت العراقي بدون تواجد قوى أخرى منافسة ؟
فيما يخص الاحتمال الأول فأمريكا تعرف أن مثل هذا التفجير سيقوي شوكة المالكي ومحوره وهو محسوب لصالح إيران ومن غير المتصور أنها تقدم هذه الخدمة لإيران مجاناً .
وأما الخيار الثاني فأعتقد أن هذا يمكن تحقيقه بالسماح للحشد بالمشاركة في معارك الموصل بل وزجهم في معارك سوريا واليمن وممكن حتى توريطهم مع دول الخليج وبالتالي لا حاجة لأمريكا بهذا الخيار مع احتمالية تعريض سفارتها ورعاياها للخطر لو تحقق ذلك ، إضافة إلى أنها تستطيع أن تفتح على الحشد وإيران الكثير من الملفات ومنها جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية .وإذا تناولنا بالمقابل الرأي الذي يحمل الجانب الإيراني تبعية التفجير ، فيمكن القول أن هذا التفجير سوف يؤدي إلى ضعف العبادي أو استقالته وفي الحالتين ومع توفر فرص سانحة للاستحواذ الكامل من قبل محورها على السلطة في ظل انكفاء أمريكا بسبب الانتخابات وضعف سياسيي السنة بعد تحرير الفلوجة وعدم وجود رؤية واضحة وموحدة لدى العرب للمواجهة فعندها يكون الوقت الحالي هو الأنسب للسيطرة على المشهد السياسي بمساعدة الحشد من خلال تأسيس قوى سياسية تحت تهديد السلاح .
ويبدأ السيناريو بالإعداد لتفجير مهول يختلف عن التفجيرات السابقة من حيث عدد الضحايا والمواد الحارقة المستخدمة في التفجير والمكان المستهدف ويصاحب ذلك اهتمام إعلامي وتصريحات تتهم العبادي والقيادات العسكرية .
ومن مقتضيات الخطة أن يتم إزاحة الجهات الأمنية الأخرى من الجيش والأمن الوطني لإضعاف العبادي ولتأمين عدم وجود ردة فعل ضد سيطرة المليشيات على الأمن في العاصمة حتى وصل الأمر بالمطالبة بإعدام قائد عمليات بغداد من نفس المحور متناغماً مع مطالبة وزير الداخلية محمد الغبان بالسيطرة على المشهد الأمني بكل مفاصله في العاصمة وبعكسه فهو سيقدم استقالته في عملية ضغط على العبادي وتنصل في نفس الوقت عن مسؤولية التفجيرات ، ومن ثم يظهر المالكي ليعلن استعداده للعودة إلى رئاسة الوزراء .
ولن ينتهي السيناريو إلى هنا ، فهو يحتاج إلى تأجيج طائفي لكي يظهر المالكي والحشد بأنه المنقذ الذي سوف ينهي الصراعات ويأخذ بثأر الشيعة باعتباره مختار العصر ، مع تصريحات إيرانية أنها ستدافع عن المقدسات لتبقى تدير الأمور بصورة مباشرة . وهذا ما تم تنفيذه لحد الآن .
ولكن ما يشاهد أيضاً على السيناريو دخول السيستاني في اللعبة من خلال المدعو أحمد الصافي بتصريحه ( باسم أهالي الضحايا نطالب من يتصدى ومن تصدى أن يعالج هذه الملفات وأن يطبق القانون العادل بحق المجرمين والمروجين والمخططين والداعمين سواء من الداخل أو من الخارج )
ويبدو أن السيستاني حاول أن يمسك العصا من الوسط ، فإن كانت نتيجة اللعبة لصالح إيران فإنه سيدعي أنه ضغط على العبادي وهو من أسقطه ، وإن كانت النتيجة لصالح المعسكر المقابل فإن السيستاني سيدعي أنه طالب بمحاسبة كل من يقف خلف التفجير من الداخل أو الخارج وهو يقصد إيران وأتباعها في الداخل .لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل تترك أمريكا العراق لإيران للسيطرة على كل شؤونه بدون منافس وترفع الراية البيضاء وتنسحب معلنة فشلها ؟ أم أن أمريكا سوف تتمسك بالعراق لأنها تعتبره حصتها ولن تتنازل عنه لأي دولة أو جهة مهما كانت التكاليف ؟