18 ديسمبر، 2024 7:42 م

من كان منكم بلا دكتاتورية …

من كان منكم بلا دكتاتورية …

الان اصبح الجميع يتكلم عن دكتاتورية بشار الاسد ونظامه .. الان اصبح لدينا اربعمائة مليون محلل سياسي ستراتيجي عربي ، يخوضون ويحللون ويتناولون ويفسرون ويناقشون ويتحاورون باسباب السقوط المريع والسريع للدولة السورية امام جماعات متناحرة اغلبها ارهابية مصنفة دولياً .. انقلبت بقدرة وتخطيط واموال العربان والعصمانلية الى حمول وديعة تنهي حقبة دكتاتورية وتقيم دولة للحرية الوردية والديمقراطية الغربية في سوريا .

ابتداءً ، ان ماجرى ويجري هو مخطط ماسوني صهيوني عربي غربي جرى تنفيذه بدقة وتانٍ وادارة للادوار وبإجادة تامة طيلة ثلاثة عشر عاما ً بحرفية قل نظيرها، تماما ًكما جرى في العراق قبل ذلك ، حيث استمر العراق بالتآكل والانحدار طوال ثلاثة عشر عاماً منذ اجتياح الكويت مروراً بالحصار الدولي على شعب العراق وتفرج العرب على عملية ذبح الاسد العراق ، حتى صرفت الكويت كل فلس لديها واطاحت بالدولة العراقية في العام ٢٠٠٣ ، وثانياً ليفهم من يفهم ان هذا المقال ليس دفاعاً عن حكومة الاسد : الاب والابن الذي استمر ستة عقود وهذا النظام لا يختلف عن جميع الانظمة المجاورة في خنق الحريات وتكميم الأفواه ، وثالثاً افتخر انني كتبت في هذا المكان وقبل عشرة اعوام ان مسالة سقوط الدولة السورية مسالة وقت ربما تتاخر قليلاً حتى تنصج الطبخة وقد حصل .

الغريب في الامر ان الغالبية الان تتحدث عن دكتاتورية بشار الاسد واركان حكمه وحزبه ، وكأن بقية دول العالم والاقليم على وجه الخصوص تعيش حرية وبحبوحة السعادة والراي والديمقراطية ، وفجاة تناسى هؤلاء العميان ان كل الدول وعلى الاطلاق هي في الدكتاتورية سواء بسواء ، فهذا هو السلطان اردوغان ، الملك مدى الحياة يقمع كل راي يخالفه .. وقد ساق الى المقصلة والسجون كل الذين انقلبوا ضد حكمه عام ٢٠١٦ ، وفرض حالة الطواريء الى الابد ، وهو الذي يحرم على الاكراد حتى النطق بلغتهم ، وهو الذي ارسل جيوشه لتحتل دون وجه حق وبعنجهية وعدوانية شمال العراق وسوريا دون ان يرجع الى حرمة جار او شريعة دين ، وهذا هو الامير الشاب الذي تطبل له ابواق الغرب والذي لا يتردد في استخدام المناشير لتقطيع اجساد كل من يقول كلمة تخالف توجهاته ، وذاك هو الرئيس الذي يمنع تجمع اي ثلاثة اشخاص او نشر اي شيء يمسه واجهزته وتابعيه بكلمة ولتذهب هيومان رايتس ووج ومنظمات حقوق الانسان الى المريخ ، وتلك هي الدولة التي تسلب حقوق مئات الالوف من المواطنين الذين ولدوا وعاشوا وتربوا على ارضها ، بل وانها تسحب الجنسية من مواطنين بحجة عدم ضمان ولائهم ، واولئك هم اولاد زايد وهم يعاملون الناس الذين يخدمونهم وحتى زوجاتهم وكانهم اناس من الدرجة العاشرة ، وذاك الملك الذي منع اخيه حتى من النزول الى الشارع والتحدث علناً ، فقط لانه راي باخيه ميولاً لانتزاع الحكم منه ، وهذه قطر التي لايتورع فيها الامير عن خلع ابيه ونفيه لمجرد الاختلاف في الراي ، وتلك هي الديمقراطية في البحرين التي تجيز لقلة قليلة من الناس السيطرة على الاغلبية لمجرد ان هذه القلة تغرد مع الغرب وتنفذ اجنداته وتسير مع القطيع ، واذا ابتعدنا قليلاً الى الشرق فسنجد ايران التي تقمع كل راي معارض وتحكم القوميات غير الفارسية بالحديد والنار وتعتبر كل من يقول رأياً مخالفاً لتوجهاتها معادياً للثورة وعميلاً للغرب يجب اعدامه حتى لو كان يطالب برغيف خبز !!

الاستثناء الوحيد الذي يراه الغرب وامريكا نموذجاً للديمقراطية الحقيقية هو إسرائيل : لانها كيان قائم على تلبية مصالح الغرب وقتل المزيد من العرب وقضم أراضيهم واستباحة اجوائهم ومقدراتهم ومقدساتهم دولة بعد اخرى .. فعن اي دكتاتورية تتحدثون واي امثلة اخرى تريدون ان اوردها لكم ؟ ..

أومن إيماناً قاطعاً ان الذي سقط في الثامن من كانون الأول / ديسمبر والى الابد هو سوريا : الدولة والكيان والارض والشعب وحصن العرب الحصين ،اما بشار ووالده فقد كانا مرحلة سوداء وعابرة في التاريخ كانت لتزول بجبهة النصرة وداعش والقاعدة وجند الشريعة ومسد وقسد او بغيرها ، لان امريكا والغرب كانت تراقب المشهد ، فلو لم تسقط سوريا بهذه الادوات فان امريكا والغرب سياتون بانفسهم وسيسقطون الدولة السورية تماماً كما حدث في العراق في العام ٢٠٠٣ بعد ان تيقنت امريكا ان شراذم المعارضة التي صنعتها بنفسها غير قادرة على اسقاط العراق ، الدولة ..

وبسقوط سوريا بيد هذه الجماعات والعصابات التي تديرها وتوجهها إسرائيل وتركيا فقد اكتمل العقد وانتهت مرحلة الفوضى الخلاقة ، لتبدأ مرحلة السيطرة المطلقة بالاداة الاقوى : اسرائيل ، ليعاد كما قال النت ياهو تشكيل الشرق الأوسط الجديد بقيادة قطر وفلوس قطر وصمت الباقين وتغاضيهم عما يجري والا فان ماجرى حتى الان في : اليمن وسوريا ولبنان وتونس والعراق والسودان ومصر سيكون حاضراً امام كل من يفكر في ان ( يلعب بذيله ) .

وحتى يقضي الله امراً كان مفعولاً ، سنظل نندب حظنا العاثر ونبكي على الاطلال ونتغنى بتاريخ مات واندثر ، ونسلم قلاعنا ودولنا وبيوتنا واولادنا ومستقبلنا .. وسنظل ننظم المؤتمرات وندفع الأثمان لمن يحمينا ، وننتظر منهم ان يمنوا علينا بقروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وفتات بعض الاعراب والمستعربين .. وبعدها سنطلب اذن أسرائيل في تعيين هذا الوزير او ذاك او انشاء هذه المدينة او تلك وربما نطلب اذنها بعد ذلك حتى في شراء طائرات رش المبيدات الحشرية !!!.