يُخيل لي أن من كان حظه عاثرا,أبتلي بأن يكون حاكما على العراق,لأنه سيحصل له الآتي :
1. ستحيط به بطانة السوء إحاطة السوار بالمعصم, وتحجب عنه الحقائق, وتسمعه ما تشتهيه نفسه من ثناء و يجعلون منه نصف إله, وتبرر كل أفعاله و أخطائه وخطاياه, ولسان حالهم يقول:(موافقون..منافقون), ولكنهم سيتوارون فور انتهاء سلطانه, وسيتحول بعضهم الى ضحايا ومتضررين من حكمه وادعاء (المظلومية),وآخرين منهم الى وشاة ضده!!.
2. ستخرج الجماهير عن بكرة أبيها تهتف وترقص وتغني وتهزج, وتعلن البيعة له ب(الاجماع),ولكن بمجرد زواله, ستنقلب نفس تلك الجماهير للضد تماما, وتقول فيه, (مالم يقله مالك في الخمر) !!.
3.سيسمي نصف الشعب مواليده الجدد بإسم الزعيم وأفراد أسرته, ويقلدون لبسه ومشيته وطريقة كلامه ومفردات حديثه, ولكن بمجرد سقوطه, سيسارع الكثيرون لأقرب دائرة أحوال مدنية لتغيير اسمائهم, بإسم آخر ينسجم مع الوضع الجديد!!.
4. سيتسابق الكتاب والشعراء والمغنون لخلع الألقاب عليه بلا حساب,والاشادة بعهده الزاهر, ولكن بمجرد تدحرجه عن كرسي الحكم, سيطلقون على فترة حكمه صفة(العهد البائد), وسيعتذرن عمّا قدموه, ويبّررون ذلك كذبا,بـأنهم أٌجبروا عليها !!.
5. وللنحاتين والرسامين حصة في هذا المزاد, فسيملؤون شوارع المدن والقرى بأصنام الزعيم وصوره, وهو بمختلف الأوضاع, ولكن ما أن يذهب, ستسارع الجماهير لتحطيمها وحرقها, تمهيدا لتشييد أخرى مكانها للحاكم الجديد, ومن نفس الوجوه التي شيدتها سابقا في الغالب.
6. إذا فكر الزعيم بالتنحي ومغادرة الحكم بإرادته, وهو احتمال ضعيف جدا ويقرب من العدم, فستخرج الملايين الى الشوارع تطلب منه البقاء الى الأبد, فالحاكم في العراق, لا بديل أمامه سوى سبيلان لا ثالث لهما؛ القصر أو القبر !!.
7. في الغالب ستكون نهايته مأساوية قتلا وسحلا وتمثيلا بجثته على شاكلة عبد الاله ونوري السعيد, أو الاعدام رميا بالرصاص كحال عبد الكريم قاسم,بعد محاكمة سريعة وصورية. أما النفي خارج العراق, فذلك حلم بعيد المنال, فتلك حالة حصلت مرة واحدة مع عبد الرحمن عارف, ولن تتكرر!!.
8.أذا وقع عليه انقلاب وتمكن من إفشاله وقبض على المنفذين, ستخرج الجماهير بقضها وقضيضها لتطلب منه (قطع رؤوس الخونة المتآمرين العفنة وبلا رحمة, ورميهم للكلاب) !!, ولكن الويل له فيما لو نجح الانقلاب,لأنه سيتم سحله في الشوارع, وتقطيع جسده إربا إربا, ومن نفس تلك الجماهيرالهائجة, وستضيق أرض الوطن أمام قبر يضم أشلاءه, أو ماتبقى منها, فالسحل وتقطيع الجثث ونبش القبور, عادات متأصلة في أهل هذه البلاد!!.
9. .إذا دخل معركة مع عدو خارجي وانهزم فيها شر هزيمة, وخرج منها مدحورا مخذولا, فما عليه إلا أن يخرج على الشعب بخطاب منمق يعلن فيه النصر, وأن العدو قد هُزم لأنه فشل في اسقاط النظام, ولن يحتاج لهذه المسرحية, سوى لكاتب منافق مثل جبار محسن, ومذيع مثل أحمد سعيد, ومغنية مثل دلال شمالي , وشيخ دجال من شاكلة لطيف هميّم, فتلك هي أدوات النصر وأسلحته الفتاكة والكفيلة بتخدير الجماهير!!, والتي ستملأ الشوارع وهي تحتفي بالانتصار الكبير!!.
10. ويبقى العزاء الوحيد للحاكم العراقي(المخلوع) في الدنيا, أن الجماهير ستبكيه وتلطم عليه ,حسرة على أيام حكمه التي ولّت وانقضت, وتطلق عليها؛(الزمن الجميل)!!,وتندب حظها العاثر يوم فرّطوا فيه, ولكن (مكافأة نهاية الخدمة)هذه, لن تحصل الاّ بعد زمن طويل,وبعد (خراب البصرة),ومرد ذلك ليس احقاق الحق وإعادة الاعتبار له, بل لأن الحاكم الذي خلفه, قد سامهم سوء العذاب!!.
وبعد كل هذا الذي ذكرت بعضه, هل يفكر عاقل بأن يغدو حاكما على العراق؟.. الجواب؛ نعم بكل تأكيد لأن أغلب العراقيين لا يتعظون بمصيبة ومصير من سبقهم,وهذا الكلام, والذي أبدو فيه كالذي (يؤذن في مالطا), لن يروق لهم, لأن منتهى طموح أحدهم أن يصبح شرطيا يقف على باب الحاكم, فلكرسي الحكم لذة وجاذبية لا يدركها الاّ من ذاقها, ولله الأمر من قبل ومن بعد.