23 ديسمبر، 2024 4:23 ص

من قصص الحروب الاستاذ يونس الحديدي وكرم الشهداء

من قصص الحروب الاستاذ يونس الحديدي وكرم الشهداء

قصة من الواقع العراقي كتبتها بجزئيين (( الجزء الثاني))
بعد ان تكلمنا في الجزء الاول عن معرفة الاستاذ يونس بأقاربه يحيى وسؤاله له كيف عرفت انني من قبيلة الحديديين فقال له ان اغلب القرى هناك هم من هذه القبيلة فقال له صاحب السيارة صدقت وانا منهم واسكن قرية ركابة المطاوحه التابعة لقضاء الشيخان ولكن هل تعرف احد هناك فأجابه نعم هناك عمي الشيخ محمد الدباج رحمه الله ابتسم وقال انا ابنه يحيى وحاليا امر احد الوحدات العسكرية هنا فعرفه بنفسه انا ابن عمك يونس محمود الجدوع من الملاوحه فخذ البورويعي فشرح السيد يونس لابن عمه يحيى سبب مجيئه الى البصرة لاستلام جثة اخيه الشهيد الذي كان منتسب للواء ٦٥ قوات خاصة وهذه القوات معروف عنها انها تدربت على القتال العنيف ولكن التكنلوجيا احيانا تغلب الشجعان وبعد هذا التعريف قام بمواساته وقال هيا نذهب الى مركز تسليم الشهداء في الدريهمية وعدنا واستلمنا الجثة وقمنا بوضعها فوق ظهر سيارته وكان الوقت قبل الغروب قال لي يا ابن العم انا واجبي في مطار البصرة والان لنذهب بتعبئة سيارتنا بالوقود ونتوكل بعدها وما ان وصلنا المطار اقدم الجنود جميعهم يلقون عليه التحية وكلماتهم الحمد لله على السلامة وكانوا في حالة تأهب وسألوه من هذا الشهيد فقال لهم انه ابن عمي وكلف احد الجنود بالذهاب لتعبئة السيارة وبعد تعبئتها
قال له ابن العم انت تعرف سياقة السيارة فأجابه انا سائق وسأل الاستاذ يونس ربما يريدني ان اساعده في قيادة السيارة كون الطريق طويل ولكن السيد يحيى فاجأه بالقول ان الوضع هنا متأزم وانا مسؤول عسكري ولا يجوز ان اترك الوحدة وانا وصلت الان هنا وانت عليك ان تأخذ جثة اخيك الشهيد وتتوكل الى اهلك في محافظة نينوى وان وصلت هناك بسلامة تذهب بالسيارة الى اهلي في القرية وتطمأنهم على اوضاعي لانهم يعيشون الان اكيد بقلق تام واذا لم يحالفك الحظ وحصل اي مكروه لا سامح الله فإنني معفيك من السيارة امام الله والبشرية جمعاء
كانت مدينة البصرة تعتبر في هذه الايام بلا قانون ويسودها فوضى والقطعات العسكرية في الشوارع والمنظر لا يسر الناظرين وان اسير احيانا بطريق عسكري وعر جدا واحيانا اعود للشارع الرئيسي وصلت منطقة تسمى التنومة وكانت الناس تسير على الشارع منهم بالزي العسكري ومنهم المدني والجميع يترقبون ان تأتيهم سيارة تبعدهم عن موقع الخطر بيدها وما ان وصل الاستاذ يونس وجثة اخيه فوق السيارة الى مدينة العمارة شاهد جمع من الناس قد تجمعوا وهم يهتفون وينادون بسقوط الدولة وقسم منهم اراد الاساءة للصندوق الذي يحمل نعش الشهيد فوقفت امامهم وبصوت عالي جدا اسفي عليكم بدلا من مساعدتي واليوم اربعة ايام انا لم اذق النوم وتعبان جدا تقومون باستفزازنا بعبارات غير لائقة وبعد ان انهيت حدة التوتر بينتا بدأت بالسير في الشارع العام ولكنه لفت انتباهي وجود سيارة من نوع ساسوكي تسير خلفنا وكنت انظر لهم بمرآة السيارة وقد لاحظت انني كلما اردت التوقف هم ايضا يقفون خلفي ولاحظ السيد يونس ان هؤلاء الركاب في السيارة التي خلفه قد وضعوا قطع من القماش الاخضر في رؤوسهم فتوقف وسألهم ماذا تريدون منا يا اخوان ومن انتم وبعد ان تأكدوا انه من محافظة نينوى وعرفوه جيدا ابلغوه بانهم ضباط في المخابرات العراقية وهم يسيرون خلف سيارتهم على انهم من عائلة الشهيد لحماية انفسهم خوفا من ان يعترضهم احد في الطريق…وبعد ثلاث اواربعة ساعات وصل الاستاذ يونس الى محافظة الكوت وهنا شعروا بالأمان حيث انهم وجدوا افراد الجيش العراقي في السيطرات كل هذا والسيد يونس انهكه الطريق لانه كان يسير في الليل بأكمله وبعد اشراقة الشمس وهو في مدينة الكوت سأل المارة عن محطة بانزين للتزود في الوقود بعدها توجه الى العاصمة بغداد ومازالت السيارة السوزوكي تسير خلفه الى ان وصلوا مشارف العاصمة بغداد عندها ترجلوا من سيارتهم وابلغوه بانهم وصلوا جهتهم المقصودة وقالوا له نقدم لك مواساتنا باستشهاد اخيك ونتمنى تصل اهلك بالسلامة ان شاء الله..
توجه السيد يونس الى طريق الموصل العام وقد اشتدت عليه هواجس الحزن من جديد وهنا تذكر فجأة ماذا سوف يقول لوالديه… وامصيبتاه يا امي اتيتك بأخي محمد صبحي وهو الاسم المركب للشهيد لكنه جثة في تابوت ولم استطيع ان اوصله لكم حياً.. هذه الحروب ياابي نتائجها الدمار وادخال الحزن الى قلوبكم وبدأت دموعهم تنهار وكأنها شلال مخزون مياهه.. وهو يصرخ لوحده يا اخي يامحمد ايها البطل مضى انا وانت علينا يوم كامل في الطريق ولم تكلمني او اكلمك ابدا.. وانا اعرف ان روحك الان معي في السيارة فسامحني يا اخي على كل شيء وسوف نلتقي يوما من الايام في جنات النعيم…
وما ان شارف بالوصول الى مدينة الموصل وكانت علامات التعب والارهاق والحزن في وجهه ولايعرف ماذا سوف يقول لأهله عن سفرته التي قال لهم فيها انها للتجارة ولكن حقيقتها لاستلام جثة اخيه الشهيد محمد وما ان وصل بيت والده نزل عليهم خبر استشهاد ابنهم كالصاعقة وبدأت النساء بالصراخ والعويل والرجال لا يستطيعون حبس دموعهم وهي تنهار قام السيد يونس بحضن امه وابيه وهو يبكي حزنا لفراق اخيه الشهيد محمد ويطلب منهم مسامحته لإخفاء الخبر عنهم وبدأ افراد العائلة بمواساة بعضهم البعض. وبعد مراسم الدفن واقامة مجلس العزاء شرح الاستاذ يونس لأهله موقف اقاربه يحيى وكيف ساعده بنقل الشهيد واعطاءه سيارته الخاصة..
في صباح اليوم الثاني ذهب الاستاذ يونس الى قرية السيد يحيى ليسلمهم السيارة وما ان شاهده ابناء القرية حتى بدأوا بالهتاف جاء العم يحيى وبعد ان وصل دار اهله تفاجأوا بسيارة ابنهم ولكن من يسوقها غير شخص فنزل من السيارة وقام بشرح ما حصل له وكيف تعرف على ابنهم يحيى وموقفه الشجاع المشرف وكرمه واخلاقه وقال لهم انه يخصكم بالسلام والمفروض نأتي معاً ولكن الظروف العسكرية منعت ذلك… اطمأنّ الاهل على ابنهم واستلموا سيارته وعاد بحيى من وحدته العسكرية وبقت العلاقة بينه وبين الأستاذ يونس الا ان وافته المنية شهيدا بعد احتلال العراق وما شابها من احداث…
هذه قصة الشهداء محمد ويحيى وخيهم الثالث الاستاذ يونس الذي انجاه الله من موت محقق في طريق عودته من البصرة وهذا هو حال الشعب العراقي الذي ما تنتهي فيه حرب حتى تبدأ حرب اخرى بطريقة مختلفة..
اننا مهما كتبنا نعجز ان نصف الويلات والمصائب التي تعرضت لها اغلب العوائل العراقية فرحم الله الشهداء واعان الاحياء منهم على تحمل كل هذه الظروف القاسية…