قبل أقل من شهر ، وعلى الرصيف الذي وجدوا جتثته اليوم ملقاة عليه ،وقد اخترقتها 13 رصاصة ، كان الروائي والأكاديمي علاء مشذوب يجتمع مع عدد من أدباء ومثقفي محافظة كربلاء ليوقع كتابه ” رصيف الثقافة ” ، وعلى الرصيف أيضا قال للذين حضروا هذه الاحتفالية إن كتابه محاولة لتسجيل ذاكرة مدينته كربلاء ، ليكون شهادة على الحاضر الذي ضاع أغلبه وسط ضجيج الحروب ، وسيضيع القسم الآخر منه في معارك السياسيين من اجل الإطاحة بمكانة هذه البلاد .
حادثة الاغتيال تثبت أن الإنجاز الأبرز لسياسيّي الصدفة أنهم نجحوا في تلويث الضميرالإنساني ، بحيث صار هناك من لايهتم لمثل هذه الجريمة البشعة التي تؤكد في كل مرة أنّ مواطناً عراقياً فقد حياته ، لأنّ القانون جرى تغييبه بمعرفة من يضعون أنفسهم فوق القانون .
عندما تقرأ في الأخبار أن رئيس الجمهورية يريد مكافأة من نهبوا البلاد وأطاحوا بقيمه الثقافية والحضارية ، بأن يمنحهم صفة مستشارورواتب مليونية وسيارات مصفحة ، وأن الحكومة التي قيل لنا إنها إصلاحية وعابرة للطائفية ، تظل عرجاء بسبب إصرار سليم الجبوري على أن يصبح وزيراً للدفاع ، لأنه ظل طوال رئاسته للبرلمان يدافع عن مصالح إيران وعندما تشاهد محافظ البصرة حائر البال بين أن يصبح نائبا أو يظل نائما على صدور أهالي البصرة ، فإنك حتما ستجد نفسك في مواجهة سياسيين ومسؤولين لايؤمنون بأنّ لهذا الشعب قدرة على الاحتجاج ، وغير معنيين بهموم الناس ، ويصرون على أنّ الدنيا ربيع والجو بديع في العراق، لولا المؤامرة الأميركية! .
إن مشهد اغتيال علاء مشذوب يقول إن أشياء كثيرة لم تتغير، وأن هناك من لا يريد أن نمضي نحو مستقبل آمن، والدليل جرائم الاغتيال التي دائما تسجل ضد مجهول ، وهي تكرار لجرائم كثيرة ارتكبت وسترتكب في المستقبل وإن اختلفت التفاصيل والوجوه، فالذي حدث أن مواطناً يفقد حياته بمنتهى البساطة لأن أصحاب الدراجات النارية والكواتم يعتقدون أن قانونهم هو وحده الذي يجب أن يطبق على جميع العراقيين .
قتل علاء مشذوب بدم بارد وحتماً انتشى القتلة وتفاخروا وهنّأ بعضهم البعض، فالصوت الذي أصرّ على أن يكون عاليا وواضحا وجريئا أُخرس برصاصات في الجسد ، لكنهم نسوا أن علاء مشذوب باق وسيغيّب جميع القتلة.
إنّ ما جرى في كربلاء هو جريمة كاملة، وستبقى عاراً يلاحق مرتكبيها ومَن فوّضهم ، لكنها ستبقى يوماً مشهوداً يؤرّخ له بأنه اليوم الذي غاب فيه ضمير الساسة ، فلم تعد منظر قتل مثقف وطني يثير مشاعرهم ، مثلما يثيرها لمعان الكرسيّ.