صدمَ اغتيال المعارض الليبرالي الروسي بوريس نيمتسوف في ليلة الجمعة السلطات والمجتمع الروسي، وأدانت كافة المراكز السياسية الرسمية وغير الرسمية بكل اتجاتها اغتيال السياسي نيمتسوف المروع ، بغض النظر عن الجهة والدوافع التي وقفت وراءه.وشهدت روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي العديد من الاغتيالات السياسية، ولكن اغتيال نيمتسوف اشدها خطرا.ان الاغتيال السياسي، بل وفي اي مجال آخر، اقذر وسيلة لإزالة الخصم، مادام ان المواجهة والصراع تجري في اطار سلمي وضمن اطر القانون.
ولم تعلن جهات التحقيق الرسمية لحد الان عن القوى التي وقفت وراء الجريمة البشعة ولا عن هوية القتلة، كما تتجنب الفعاليات السياسية سواء الرسمية او من المعارضة تحديد الدوافع او تسمية الجهة التي تقف وراءها. ولكن ثمة اجماع على تبرئة ساحة الرئيس فلاديمير بوتين وحكومته من العملية، ليس فقط لان هذا ليس اسلوب بوتين ويتنافي واخلاقياتيه ووزنه كزعيم دولي وتاريخي بالنسبة لروسيا، بل ولأن القتيل نيمستوف والمعارضة الليبرالية التي يمثلها ككل، لا تشكل خطرا على نظام بوتين رغم صخبها العالي، لكونها لا تمتلك شعبية واسعة ولا تحظى بثقة الشرائح الاجتماعية الاساسية، من جر الجماهير الغفيرة خلفها.
ونيمتسوف ( 57 عاما) سياسي روسي واحد ابرز زعماء المعارضة الليبرالية، شغل منصب نائب رئيس الوزراء ونائب في مجلس دوما مدينة “يارسلافل” واحد مؤسسي وزعيم حركة التضامن ورئيس مناوب في الحزب الليبرالي ” ار بي ار ـ بارناس” وعضو مجلس تنسيق المعارضة الروسية. وهو من الجيل الذي بدأ ممارسة السياسة والبزنس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وظهر نجمه في الساحة السياسية الروسية، في التسعينات، حينما زار الرئيس السابق بوريس يلتسين مدينة ” نيجني نوفغرد ” التي كان حاكمها نيمتسوف، واعجب بالانجازات التي حققها ذلك السياسي الشاب الذي يتحدث عن اقتصاد السوق وحرية الصحافة والانتخابات الحرة وتوزيع السلطات والخصخصة وغيرها من مفردات الفكر الليبرالي. وقال يلتسين حينها انه يرى في نيمتسوف الشاب رئيس روسيا القادم. وما ان عاد الى موسكو حتى اصدر قرارا بتعينه نائبا لرئيس الحكومه.
ظهر نيمتسوف في الفترة الاخير الاكثر تشددا في معارضة الرئيس فلاديمير بوتين من منطلقات ليبرالية موالية للغرب. وانتقد بشدة سياسات بوتين ازاء اوكرانيا بما في ضم القرم والاجراءات التي رد بها على عقوبات الغرب بمنع استيراد المواد الغذائية من الدول التي شاركت في العقوبات على روسيا، وكذلك سياسة بوتين بتعزيز قدرات القوات المسلحة الروسية والسياسية الاقتصادية والداخلية.وذات مرة قال انه لايخاف بوتين بقدر خشية والدته التي حذرته من انتقاداته اللاذعة لبوتين، وقال انه يخشاه ولكن ليس الى ذلك الحد.
واعتبر الرئيس فلاديمير بوتين عملية اغتيال نيمتسوف بانها ” مبيتة واستفزاز” سافر. وكلف الاجهزة الامنية الرئيسية بتشكيل للجنة للتحقيق في عملية الاغتيال، وقال المتحدث الصحفي باسم الرئيس بوتين دمتري بيسكوف من السابق لأوانه الخروج باستنتاجات عن اغتيال نيمتسوف ولكن يمكن القول بالتاكيد بانها استفزاز.
وقال الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف ان اغتيال نيمتسوف محاولة تهدف لتعقيد الوضع وزعزعة الاستقرار في البلد وتشديد المواجهة، منوها ان هناك قوى ستحاول استخدام جريمة اغتيال نيمتسوف لصالحها. واضاف “انها تفكر كيف ستتخلص من بوتين” وعلى حد قناعة غورباشوف “ان الغرب لن يمضي على هذه الخطة واللجوء الى ارتكاب جريم لتحقيق اهدافه ولكن بالطبع هذه هي حسابات المجرمين الذين اغتالوا نيمتسوف.”
وقال زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زوغانوف “ان اهداف جريمة اغتيال نيمتسوف يمكن ان تكون متباينة، ولكنها اغتيال سياسي.” ولمح بتورط الغرب الذي حسب رايه “لم يحقق اهدافه بفرض العقوبات على روسيا وراح يبحث عن ضحايا اخرى.”
والقى زعماء المعارضة الليبرالية مسؤولية اغتيال نيمتسوف على سلطات البلد. ووصف رئيس الوزرا السابق ميخائيل كاسيانوف عملية الاغتيال بانها “تنكيل” لان نيمتسوف حسب قوله، فضح بلاهوادة وبثبات ” ما يجري في البلد”. وترجع بعض فعاليات المعارضة الليبرالية اسباب اغتيال نميتسوف الى ما تصفه بالاجواء التي خلقتها الحكومة في الساحة الروسية خاصة بعد ضم القرم والازمة الاوكرانية واستغلال الغرب لها لمعاقبة روسيا والحاق الضرر باقتصادها، وبالتالي الحملة الاعلامية على المعارضة الليبرالية ووصفها بالطابور الخامس والعميلة للغرب، لتأليب الراي العام الروسي ضدها كقوى خائنة وطنيا.
وكانت ردود فعل غالبية زعماء الدول الغربية على اغتيال نيمتسوف متحفظة، لكن المواجهة الاعلامية بين روسيا والغرب اثرت على الراي المتداول، لذلك فان فرضية وجود يد ” للكرملن” في الجريمة اكثر شيوعا من فرضيات ان تكون هناك دوافع حياتية يومية او مالية او الصدف او دينية، تقف وراء الجريمة.
وتنظر التحقيقيات الرسمية بعدة فرضيات عن اسباب اغتيال نيمتسوف من بينها سياسية او استفزاز مبيت من قوى ثالثة لزعزعة الوضع في البلاد، علاوة على تورط اسلاميين
متطرفين بسبب موقفه الحاد من اغتيال رسامي مجلة شارلي الفرنسية، وكذلك تداعيات الازمة الاوكرانية او خلافات في اطار ممارسة البزنس.
حقا من السابق لأوانه الحديث عن السبب الأساسي لاغتيال زعيم المعارضة الروسية الليبرالي او تحديد هوية القتلة، ولكن من الواضح ان الجريمة البشعة تعكس احتدام المواجهة في المجتمع الروسي والساحة السياسية عموما بين القوى التي تطلق على نفسها بالوطنية والمحافظة والمدافعة عن استقلالية وسيادة روسيا وتدعم الرئيس بوتين وسياساته، وبين القوى الليبرالية التي تسعى لان تسير روسيا وفق النموذج الغربي وتنتقد كل ما يقوم به بوتين وحكومته.