المعارضة لا تملك ما تتفاوض عليه، سوى المطالب السياسية القديمة التي نسفتها الحرب بعد أن تحولت سوريا إلى ملعب أممي.
بطريقة تبسيطية يقدم المعارضون السوريون حلا سحريا للمعضلة التي تعيشها بلادهم منذ ست سنوات. ولأن ذلك الحل لا يزال مقيدا بالمعادلة التقليدية التي طرفاها النظام والمعارضة، فإنه لم يعد صالحا للاستعمال، بسبب عدم واقعيته.
فالصراع في سوريا الذي وسمته الحرب بعنفها بكل ما انطوى عليه ذلك العنف من قتل وتشريد خرج عن النطاق الذي تمكن السيطرة عليه محليا. وهو ما يعني أنه صار في عهدة أطراف أخرى، سيكون على طرفي الصراع التقليديين العودة إليها دائما.
يُحمّل المعارضون النظام مسؤولية وقوع ذلك التشظي والتشعب والتعقيد بسبب لجوئه إلى العنف في مواجهة الحراك السلمي الشعبي، ويخفون حقيقة أن مطالبهم قد تماهت مع مطالب الدول التي رعتهم ومولت نشاطهم، وهي مطالب لم يكن في إمكان النظام أن يلتفت إليها بسبب عجزه عن تنفيذها.
ما لا يتفهمه المعارضون أن قضيتهم، وهو تعبير صار مجازيا، قد أفلتت من أيدي السوريين بعد أن صارت ملفا ينتقل بخفة بين الرفوف العالية التي لا تصل إليها أيديهم. يومها لم تكن روسيا هناك إلا بثقلها الدبلوماسي. مثلها في ذلك مثل الصين.
قبل روسيا كان الغرب كله حاضرا في سوريا، وكان حضوره عامل تهميش للسوريين. ما أنفقته الدول الممولة للخراب السوري من أموال يمكنه أن يشكل دليل إدانة لكل محاولات عقد صلة بين الحرب والثورة السورية.
لم تكن الحرب لتقع لولا الانحراف بالثورة عن مسارها السلمي. ذهبت الحرب بآمال السوريين في التغيير السياسي، فهي الباب الذي انفتح على التدخلات الخارجية التي كان التدخل الروسي آخرها. وهو أمر يحاول المعارضون الالتفاف عليه حين يضعون هزيمتهم في حلب في المقدمة، فيما هي في الحقيقة مجرد نتيجة لما وقع قبلها.
فتحت تركيا قبل 5 سنوات حدودها مع سوريا للجماعات القادمة من كل أصقاع الأرض لتشارك في الحفلة السورية. ولم يكن ذلك ليحدث إلا برعاية غربية مباشرة، كان إسقاط النظام السوري هدفها المعلن. وهو ما أضفى على تلك الحفلة الدموية طابعا أمميا.
غير أن الغريب في الأمر أن المعارضة لا تزال تتفاوض في جنيف وسواها كما لو أن كل شيء يقع ضمن منطقة استثماراتها. وهي منطقة لا وجود لها في الواقع. فالمعارضة لا تملك ما تتفاوض عليه، سوى المطالب السياسية القديمة التي نسفتها الحرب بعد أن تحولت سوريا إلى ملعب أممي.
من المؤكد أنه ليس في إمكان المعارضين المكرسين رسميا الاعتراف بأن الحل لم يعد ممكنا وفق الأطر القديمة، بالرغم من اعترافهم بأن الإرهاب قد أثقل المشهد بأعباء جديدة لم تعد تلك الأطر صالحة لاحتوائها.
عجز المعارضة عن القيام بذلك مرده إلى أن ذلك الاعتراف سيفضح حقيقة انفصالها عما يجري في الداخل السوري، وهو ما ترغب روسيا في تعريته لتحصل من خلاله على تفويض دولي يحق لها بموجبه القيام بتدمير الفصائل المسلحة التي لا تزال تقاتل على الأرض كما حدث تماما في حلب.
في سياق العلاقة الملتبسة بين المعارضة ومطالبها، يمكننا فهم الموقف الذي يتخذه النظام والقائم على عدم الاكتراث بما تطالب به المعارضة. ما تخطط له روسيا ليس بعيدا عن أذهان أصحاب القرار في دمشق. وهو مخطط لا يحتاج إلا إلى المزيد من الوقت لكي يكون المجتمع الدولي جاهزا للقبول به.
دفعت سوريا ثمن الحرب كاملا، لذلك فإن القضاء على الجماعات والفصائل المسلحة عن طريق الحل العسكري الروسي الذي من شأنه أن يضع نهاية لتلك الحرب لن يزيد من وجهة نظر النظام الأمور تعاسة وبؤسا.
غير أن ذلك الحل لن يُنفذ إلا بإخراج المعارضة الرسمية من المعادلة التي لا تزال بعض الأطراف تراهن على وجودها مثلما كانت في السابق وإن بدأ ذلك الرهان يتلاشى.
نقلا عن العرب