اتفقت واياه على أن نتسلم بطاقتينا البايومتريتين الانتخابيتين الالكترونيتين من المركز المخصص لتحديث بطاقات الناخبين في منطقتنا ، انا أريد تسلم بطاقتي الانتخابية لا للانتخاب وانما لتفويت الفرصة على استغلال بطاقتي تلك واستثمارها في حال تركها بإنتخاب من سيضحك على الناخبين بشعارات قومية ومذهبية وحزبية وعشائرية ومناطقية تداعب مشاعرهم وعصبياتهم مدعيا انه – بطل الفيلم ، ورامبو المنطقة ، وترتني المحلة، وسوبرمان الحي ، ووطواط الزقاق ، وسبايدرمان الطرف ، وباباي العشيرة ، وروكي القبيلة ” ، أما هو فيريد تسلم بطاقته الانتخابية لينتخب فعليا وعن قناعة تامة من يظنه صالحا ومصلحا حتى لايترك المجال امام المفسدين ليتصدروا المشهد السياسي بغياب الصالحين والمصلحين وما اكثرهم في العراق ولكل منا وجهة نظره الشخصية التي تناقشنا بشأنها طويلا ولم نصل الى نتيجة تذكر انطلاقا من احترام الرأي والرأي الآخر ، فلا انا الححت عليه ليتخلى عن فكرة الانتخاب بزعم ان لافائدة ترتجى منها وان نتائجها من وجهة نظري البحتة وحسب قناعتي الشخصية التي احتفظ بها لنفسي ولا افرضها على احد مطلقا شبه محسومة الى درجة أن بعضهم صار يذيع بين الناس جهارا نهارا ومنذ أيام وبكل ثقة بأن الوزارة الفلانية ستكون من نصيب كتلته حصرا ، وأن الوزراة العلانية ستكون من نصيب فستكان تحديدا ، وان رئاسة الوزراء لهذا أو ذاك ولا ثالث سواهما بتاتا !
ولا هو أصر عليَّ وحاول تشجيعي وثنيي عن رأيي وفرض رأيه ليدفعني الى الانتخاب، الا اننا كنا متفقين على أن النظام الديمقراطي البرلماني بشكله الحالي وعلى الطريقة – التوافقية المحاصصاتية – المشوهة والتي لانظير لها سوى في لبنان والعراق ، ما يفسر لنا أسباب تراجع البلدين وعلى الصعد كافة لأنه وببساطة نظام غير صالح بتاتا يقسم الحقائب الوزراية والمقاعد النيابية على اساس الطوائف والقوميات والاحزاب والاقليات لا على اساس الخبرات والقدرات والكفاءات اذ أن الأصل في الانتخابات الديمقراطية التشريعية – البرلمانية – المعمول بها في كل أنحاء العالم تتلخص بأن يتولى الفائز بأغلبية الاصوات تشكيل الحكومة بمفرده او بالتحالف مع اخرين هو من يختارهم لا ان يفرضوا عليه فرضا بضغط من الخارج والداخل ، سواءا أكنت تحب الفائز بأصوات الناخبين وتوافقه ، أم تخالفه وتكرهه ، ولاشك ان الاصلح للعراق من وجهة نظري هو النظام الرئاسي الانتخابي على،أن” لايكون الرئيس حزبيا ولا فئويا ولا اقليميا ولاقبليا ولا قوميا ولا تيوقراطيا ولا اتوقراطيا ولا دكتاتوريا” بمعنى ان يخرج الشعب كله وبمختلف فئاته ومكوناته فينتخب رئيسا له الأربع سنين مقبلة قابلة للتجديد لأربع اخرى غير قابلة للتمديد وتحت اية ذريعة كانت عسى أن يكون رئيسا منتخبا يتصف بالعدالة والنزاهة والامانة والخبرة والحنكة والدهاء ومن غير مزدوجي الجنسية ولا الولاء ولا التبعية بتاتا ، رئيس منتخب محليا بإشراف اممي ومراقبة دولية بعيدا عن ضغوطات وتهديدات السلاح المنفلت والموازي والمؤدلج، رئيس وطني عراقي اصيل عاش ايام الحصار الغاشم بكل رزاياها ومثالبها وآهاتها وذاق الوان الجوع والفقر والفاقة والمرض والوباء والبلاء هاهنا في العراق وليس خارجه ليكون على دراية تامة بما عاناه العراقيون حقيقة طيلة ثلاثة عقود من الزمن فيعمل على رفع الحيف عن كاهلهم ويسعى الى انصافهم وتعويضهم ولا – يثبرنا – بالمطالبة الحثيثة بتعويض دول بعيدة وقريبة وكأنه وكيل عنهم او ان العراق والعراقيين مجرد صفر على الشمال ولاوجود لهما البتة …!
المهم اتفقنا على الذهاب فأصر صاحبي على ان تكون الرحلة كلها ذهابا وايابا سيرا على الاقدام !!
قلت : لماذا جنابك ودرجة الحرارة 46 مئوية ..شنو ناوي تسلقنا بالحر لو تشوينا ؟
قال : اولا لأن شمس الصباح واشعتها فوق البنفسجية بين وقت الضحى والزوال مهمة جدا لتحفيز الجسم على افراز فيتامين D3- وهو اقرب للهرمون منه الى الفيتامين – وهذا مهم لزيادة المناعة وتقوية العظام وتقوية عضلة القلب وتفعيل الكالسيوم وزيادة نسبته في الجسم !
قلت : وماذا تاليا حتى اقتنع واوافقك الرأي في السير لأكثر من ساعتين ذهابا وايابا تحت اشعة الشمس اللاهبة ؟!
قال : ولأن المشي الطويل متوسط السرعة وبحسب الدراسات الطبية العالمية يؤدي الى انخفاض نسبة السكري من النوع الثاني في الدم ، خفض مستوى ارتفاع ضغط الدم ، تقوية عضلة القلب ، يعمل على اذابة الدهون والشحوم ، يعمل على تحسين المزاج والحالة النفسية ويعمل على تخفيف حدة القلق والاكتئاب ،وتحسين اللياقة البدنية ، وتقوية العظام والعضلات !
قلت : مازال حجم الاغراءات والمغريات دون المستوى المطلوب، انت تتحدث عن ساعتين من المشي المتواصل في حر الصيف القائظ وليس عن نزهة ربيعية أو خريفية في متنزه او على الكورنيش !
قال : ولأنني سأدعوك لتناول طبق- شوربة عدس – في احد المطاعم الشعبية الذي يجيد صناعتها وهذا الطبق سيزودنا بالزنك النباتي وهو البروتين الذي يحمي العظام والدماغ ويقوي المناعة وينشط الغدة الدرقية ويساعد على افراز الانسولين ..واذا ما اضفنا الى طبق العدس صحنا من الطماطة والفلفل الاخضر الحار والبصل والليمون فسنحصل على فيتامين c وهذا يساعد على تقوية جهاز المناعة كما انه مضاد للاكسدة ويقلل من خطر الاصابة بالسكتة الدماغية ويساعد على امتصاص الحديد في الجسم !
قلت : احسنت واوجزت ، ولكن هل بالامكان استبدال طبق شوربة العدس بنفر كباب عراقي معدل مع الطماطة والبصل المشوي والليمون ؟
قال : حاليا مؤكد ماممكن لأن رواتب التقاعد لم تصرف بعد …استلم راتب وتدلل !
وهكذا بدأ المسير لتبدأ معها المفاجآت العجيبة والغريبة واول مفاجأة كانت انه دعا بدعاء الركوب ” سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون” ،
فقلت له ماهذا ؟
قال ان دابتنا حاليا هي ارجلنا فلنستعن على المشي الطويل بدعاء الركوب !
كان الرجل وطيلة الرحلة الطويلة لايفتأ ولا يكل ولا يمل من الدعاء لكل المرضى بالشفاء العاجل كلما مررنا بمركز صحي ، مستشفى ، مستوصف ، مختبر تحليلات مرضية ، صيدلية ، عيادة خاصة وعامة ، مجمع طبي …..
كان لايمر بمحكمة الا ويدعو لكل المراجعين بأن يسهل الله تعالى لهم قضاياهم وأن ييسر امورهم وأن يحل مشاكلهم فيما بينهم ..
كان لايمر ببائع جوال من الكادحين ” باعة الصميط ، الجرك ، الكعك ، الداطلي ، الماء ، الشاي ” الا ودعا لكل الفقراء والمساكين والكادحين بسعة الرزق الحلال …
كان لايمر بدائرة حكومية مكتظة بالمراجعين الا ودعا للجميع بتمشية معاملاتهم وتيسيرها من غير تعقيدات ولا صعوبات ولا دهن سير بات عرفا سيئا لتمشية المعاملات .
كان لايرى طفلا الا ودعا لأطفال المسلمين بأن يحفظهم لأبائهم وامهاتهم وان يحفظ آباءهم وامهاتهم لهم ..
كان لا يبصر كبيرا في السن رجلا كان او امرأة الا ودعا لهما بالحفظ والشفاء وطول العمر ….
كان لا يسمع صوت منبه السيارة التاكسي في اشارة موجهة لنا فيما اذا كنا بحاجة الى تاكسي يقلنا الا ودعا له بالرزق والهداية والصلاح واضعا يده على صدره في اشارة الى سائق السيارة ان لسنا بحاجة الى سيارة اجرة حاليا ” شكرا وممنون ” ..
وهكذا دواليك خلال الطريق كله وكنت وحتى منتصف الطريق اجاريه الا انني وبعد ان استبد بي التعب بدأت اجامله ، حتى وصلنا اخيرا الى المركز ونحن نتصبب عرقا فحدث ما لم يكن بالحسبان ،اذ ان المشرفين على تسليم البطاقات طلبوا منا هوية الناخب القديمة اضافة الى هوية الاحوال الشخصية ولم نكن نحملهما بإستثناء ورقة موعد التسليم وهويات الصحافة ..فرفضوا تسليمنا البطاقات قولا واحدا !!
هنا انتابني شعور طبيعي مزعج ، وراودني سؤال ديكارتي حائر مفاده ” كيف دعونا لكل المراجعين بالتيسير كل هذه المسافة ونحن في طريقنا الى المركز ومن ثم تعقدت معاملتنا نحن واخفقنا في تسلمها؟
التفت الى صاحبي فوجدته في قمة السعادة والسرور وكأنه قد سمع خبرا مفرحا جاءه للتو كان ينتظره منذ زمن طويل !
قلت : اكدر اعرف على شنو جنابك سعيد حاليا ؟
قال : لقد اعادونا لنعاود ذكر الله تعالى مشفوعا بالدعاء للناس والمرضى والكادحين والاباء والامهات والاطفال والمراجعين والتواصل معهم روحيا وانسانيا غدا وبنفس الطريقة وعلى ذات المنوال اضافة الى تكرار التجربة الرياضية في المشي وزيادة معدلات فيتامين دي ، وسي ، والزنك ،وتقوية العضلات والمناعة وتحسين المزاج واللياقة ..اليس هذا كله فضل كبير من الله تعالى ونعمة ؟!
قلت : صدقت وهلم بنا الان الى طبق الشوربة الذي وعدت به اليوم على ان يكون طبق الغد باقلاء بالدهن مع البيض المقلي على ..حسابي ! اودعناكم اغاتي