(( في ليلة من الليالي التي غادرها النوم وظلمة الغرفة متوسدا وسادتي أغازل عيني بصوت همس الجفون لتمنحني قسطا من النوم متوسلا بها لإسدال ستارها ليغادر ها الوسن للحظات قصيرة . شبكت عشري وراء رأسي المثقل بذكريات السنين الماضية حلوها ومرها وأنا أقلب صفحاتها وأسطرها التي بين دفتي كتاب عمري بجزئه الثالث والستون وهي تمر أمام عيني كشريط تلفزيوني بكل مشاهده وممثليه مع أنغام زفرات الصدر المملوء بالذكريات والأحداث التي يعزفها شهيقا وزفيرا . رحت أقلب سنين عمري لم أجد فيها الآن إلا صورا على الجدران ومواقف وأحداث موزعة وعالقة في الأذهان هنا وهناك من أرجاء الدار أخاف استعادتها كلها أو أتحاشاها في بعض الأحيان لأثرها في نفسي حينها توصلت بأني على أعتاب سلم العمر الأخيرة وأنا أحط الرحال بالسنين الثقال والكم الهائل من اللحظات من على ظهري الذي لم يعد يحتمل الكثير . ما أصغر هذا الكون وتلك الحياة التي عشتها بعرضها وطولها حلها وترحالها جميلها وتعاستها والذكريات التي اُختزنت كودائع في عقلي ومخيلتي بعدما أقفلتُ عليها صندوق عمري أتسلى بها بين الحين والآخر أطيب خاطري وقد غزى بياض الشعر رأسي أمني النفس وأقنعها بأنه الوقار في ربيع العمر لم يبقى منها سوى رفيقة الدرب والعمر وخيوط المحبة والحنان التي نغزلها بأيدينا في كل لحظة لأعادت الماضي الذي رسمناه بأناملنا لتلك الأيام الجميلة التي زرعناها زهوراً في بستان حياتنا رويت بدموع العين تارةّ وبالحب تارةّ أخرى نقطف منها متى نشاء كشاهد على تلك السنوات التي خلت منا فهي السلوان الباقي للعمر بعدما أنفض الجميع من حولنا من بنات وبنين وصفا الدار كقفص لعصفورين في داخله يشكي همه للآخر لحياة لم تبقى منها إلا الذكريات والمجهول )) ……