22 ديسمبر، 2024 7:24 م

من شقوق الظلام الحلقة 6

من شقوق الظلام الحلقة 6

 

ليلة مسرحية بامتياز
في ليلة طال صبرهم كثيرا وشعرت بقرارهم المسبق أن تكون ليلة للتأريخ، توسلت بشدة للشمس أن تشرق ولكنها أضاعت الاتجاهات فظلت تدور في صحراء الظلمة تائهة كتيه بني اسرائيل، تركتني معلقا في الهواء لأكثر من أربع ساعات كما خمنتها في ما بعد.

لينين قالها من قبل وأقولها الآن: ما العمل ؟

هو او غيره ايضا قال أعطني مسرحا أعطيك شعبا مثقفا. والان انا اقول أعطني مسرحا لربما أعطيك مفرا من هذا الكابوس المتسلسل بلا نهاية. هكذا حدثت نفسي وقلت لجسدي ان يستعد فما عاد يصدق ان من هناك جسد يقوى على ما قويت عليه حتى الساعة. بدأت بتهيئة نفسي استعدادا لأداء دور المحتضر عسى ان تنجح المسرحية ويتوقف هذا العبث والوحشية. وبدأت العرض حالما استجمعت كل تركيزي، وكانت الحركة الاولى اني لم اعد استجيب للأذى الذي كانوا يلحقونه بي وكل همجيتهم وقسوتهم المنصبة علي استبدلت الرد عليها بلا من صرخات الم، بأنين وآهات. لم يصدقوا في البدء بخبرتهم في التعذيب حاولوا كثيرا معي استفزازي للخروج من العرض المسرحي بوسائل شتى، لكن لم استجب لكل إغراءات الصراخ بصوت عال او الضربات الموجعة التي انهالت علي. تململ البعض منهم وارتعش اخرون خوفا من أن أكون فعلا على وشك الفراق الأبدي واكون ضحية لعصيهم بدون امر من جهة مخولة بتصفيتي. دار نقاش بيهم كنت اصغي له بتركيز شديد قال احدهم: أنا غير مسؤول بعد لنبلغ السيد الضابط وهو يتخذ القرار.

امض في اللعبة اكثر! ها هو المسرح ينتج فكرة وواقعا جديدا. الهمس صار حوارا ثم عراكا وجاء اخيرا من يفض النزاع بكلمة منه.

هزني بعنف وكلمني برفق، طلب مني ان اكلمه قاسما انه لن يؤذيني احد بعد. كنت متيقنا دائما ان للمسرح دور كبير وخطير. ذهبت كل محاولات استدراجي عبثا ثم اصدر الفرمان.

– نزلوه! هذا قد انتهى.

لم اعن جسدي على النزول من الحلقة المعقوفة المفتوحة المثبتة بسقف الغرفة رغم محاولاتهم اقناعي بذلك لي. علي أن استمر في أداء الدور الى النهاية أنت ممثل بامتياز، هكذا حدثت نفسي. وسرى في داخلي شعور نرجسي بالإعجاب والفخر. وبدأت ألوم نفسي كثيرا واسلب منه شعور الانتصار، لأني لم افعل ذلك مبكرا. ورد في خاطري كم كنت اذهب كثيرا الى المسرح ولم أكن اختار الجلوس إلا في مقاعد النظارة مع انه ثبت الآن انه كان بالإمكان جدا أن اصعد على المنصة وأحدق في النظارة واؤدي افضل الادوار قد فاتتني هذه ايضا. لا تهتم كثيرا لم يفتك شيء فقد قالها شكسبير ان العالم كله مسرح.

اهبطت على الأرض ثانية بعد التحليق الطويل، امسك بي من كل جانب واحد من الجلادين، ويبدو انهم قرروا اجراء اختبارا سريعا لكشف الكذب ولم يكن في حسابي أبدا هذا الاختبار ولم افكر حتى بكيفية التملص منه ولا للحظة واحدة. فجأة تركوا ذراعيَّ حرروني من قبضاتهم التي كنت اتكأ عليها، الا اني لم اتفاجأ بهذا بقدر ما صعقني اني اهوي الى الارض ولا اقوى على الوقوف. هويت الى الأرض. ما هذا هل فعلا قدماي عاجزتان أن تحملا جسدي النحيل!! تكومت بلا انتظام على البلاط البارد عاريا، الحروق واثار اعقاب السكائر والكدمات والجروح في كل مكان من الجسد المتعب المنهوك.

أية أكذوبة تلك التي قلتها لنفسي وصدقتها حينما ظننت أني سأكون نجما مسرحيا، ذاك الأداء التمثيلي الرائع لم يكن اذن إلا وهما وخيال وسوف يتبين بعد قليل ان كذبتي كانت كبيرة جدا. تردد صوت الضحك سخرية عاليا في أرجائي وأنا أتأمل ما صرت إليه. انفضت كل الأفكار وأصبحت اجوفا فارغا تماما مثل فضاء خارجي لا يسكنه إلا وهم الأثير.

رفعوا كومة اللحم خاصتي من الأرض وسحبوني في ممر قصير يقع الى جوار غرفة العمليات (غرفة التعذيب بحسب اصطلاحهم). بدا لي حينها انه ممر طويل، يسيرون بي بسرعة لا تناسب كومة اللحم المتهالكة. قفزت حينها في بالي خاطرة سخيفة فعلا لكنها تتناسب مع ميلي للمزاح الدائم في اعسر الواقف واشدها، كم هو مضحك منظري الان، وانا امشي عاريا وكيف سيكون رد فعل زملائي في الجامعة طلابا وبالأخص الطالبات لو رأينني هكذا. لماذا لا تتوقف عن المزاح هل الان وقته؟ ماذا بك هل جننت؟ كنت احدث نفسي هكذا في لحظات اسرع من الضوء لكن بصراحة ضحكت في داخلي لهذا الحوار بدا لي انه همس الجنون او عبثية الحياة التي لم احفل بقيمتها في تلك اللحظة، حتى ان الابتسامة غلبتني وانا احدث نفسي ولحسن الحظ لم ينتبهوا اليها او انهم انتبهوا لها ولكن لم يكن بإمكانهم تمييزها لان مظهري بالتأكيد كان مريعا. سارعت لإيقاف خواطري لأني كنت سأنفجر ضاحكا، بينما ظل اثنان يسيرون بي رواحا ومجيئا في الممر البارد ويرفعاني بين الحين والاخر عن الارض حين اعجز عن المشي. كنت في تلك اللحظة قد قطعت علاقتي بكل محتويات العالم ولا افكر الا بهذه النزهة الاجبارية وبدوت بينهم مثل طفل يلهو مرحا يرفع والداه من على الارض.