23 ديسمبر، 2024 2:23 ص

من شقوق الظلام الحلقة الثانية عشر

من شقوق الظلام الحلقة الثانية عشر

 

فلسفة الصراع

كنا نقوم بزيارات خجولة للحمام كانت مجرد سطل ماء يسكب على اجسادنا ويحصل ذلك بطريقة كوميدية حيث كنا نخرج كل اثنين الى دورة المياه فيجلس أحدنا بعد ان ينزع كل ملابسه لقضاء حاجته ويقوم الآخر في الاثناء بملء سطل الماء ويسكبه عليه، وفي الاثناء توضع الملابس التي ننوي غسلها في المغسلة التي نحاول منع تسرب الماء منها بحشر أي شيء في فتحتها لكي تأخذ ملابسنا فرصة لكي تغطس في الماء بشكل مركز وبالطبع كنا ننقع ملابسنا بدون اي مسحوق غسيل. لكن سرعان ما اكتشفنا أي مأزق نحن الذي فيه خصوصا مع الحكة التي تهرشنا في اماكن شتى. واكتشفنا اسراباً من القمل كانت تزاحمنا العيش في هذه الزنزانة الضيقة. كنا نخوض معها معركة لم ننتصر فيها أبدا، ولكن كان لابد من خوضها بشكل يومي. كانت تتجمع اسراب سوداء في حواشي ملابسنا بصورة كثيفة وتتغذى مما تبقى لدينا من دماء. كان للصراع مع القمل طقوس خاصة في البداية نخلع ملابسنا كلها، في البدء ننزع الخارجية ونبقي الداخلية منها ومن ثم نستبدل الخارجية بالداخلية بعد الانتهاء من المرحلة الأولى أو العكس كل حسب مزاجه، ثم نملأ أكوابا من ماء، هذه الأكواب كنا نحظى بها من لبن خاثر يعطى إلينا في مناسبات متفرقة، وتبدأ عملية الاصطياد التي نسميها (قصع) في جلسات طويلة ونسحق القمل بما سرقه واذخره في احشاءه بين اظافرنا. اظافرنا تتسخ بدمائنا ونحن نحسب اننا قتلنا عدونا هكذا هي كل المعارك.

كنت أردد في داخلي واحيانا بصوت عالي وانا ارى المشهد: دم مسفوح اليوم من رقاب القمل، غدا سيسفح من رقابنا. كان هذا المشهد يزيد من الاضطراب والحزن والاسى في داخلي على هزيمتي التي لم استطع هضمها لتسعة شهور متوالية. لم تفلح كثير مواساة كنت اسمعها من بعض رفاقي ومقولة ان جسدك النحيل يزداد اضمحلالا ومرضا حتى بات البعض منهم لا يخفي شعوره بخطر موت قادم الي حتى قبل أوان المقصلة.

كنت أتأمل القمل صريعا سابحا في الدماء، واسأل نفسي من الذي منحني الحق في سلب حياة كائن آخر. هل رغبة في اللهو أو امتلاك لقوة لا تملكها الضحية تعطي احد ما الحق والمشروعية لفناء آخر؟ معركتي مع القمل تماما هي نفس المعركة التي يخوضها البشر فيما بينهم فقط تتغير الاسماء. كل يبحث عن سبب يبرر بها فعله، طرف يزعجه وجود كائن آخر بجواره يريد أن يعيش فقط فيسميه كائنا ضارا ويقول وفقا لذلك بأنه كائن واجب السحق وإنهاء حياته. قوتي التي كنت اسحق بها اسراب القمل سوف تزول قريبا لان وحشا آخر مثلي ينظر لي كما انظر الآن الى القمل وينظر لي. حوار داخلي عميق كان ينتهي بي إلى أن أتجنب وبحرص شديد قتل القمل الذي كنت كما أخشاه لا أحبه ولكن مصيري الماثل امامي جعلني أتعايش معه وأقبل حقه بالبقاء، لذا كنت بدلا من قتله بالسحق صرت انقله حيا الى داخل كوب ماء مملوء ليموت غرقا، ربما كانت هذه الطريقة هي الأكثر سخفا لأنها الاقسى تعذيبا، إنما بها كنت أتشبث بالحياة واحاول ان انجو من تأنيب الضمير من فلسفتي التي تبدو أشبه بأحاديث جنون مبكر. فلسفة قد تبدو عبثية وسفسطة ولكن بسببها ما عدت حتى قادرا على اعتراض نملة تسير الى جوار حائط هي ورفيقاتها. واضحيت انظر بأسى الى خنفساء سوداء تتقلب على ظهرها ولا تقوى على الاعتدال فأساعدها على النهوض ثانية. كنت أتشبث بالحياة في حياة غيري وكان أكثر ما يضايقني هو تلك الرغبة الغريزية في قتل الهوام عندما تسري في، فقد كان يراودني شعور كئيب احس اني جلاد متنكر شعور لم ازل اعيشه حتى اليوم.