23 ديسمبر، 2024 12:26 ص

الحلقة الرابع
جولة أولى
في الليل عندما تكف الشمس عن ملاحقة الوقائع وأشخاصها، تدخل العتمة بكل ثقل ظلمتها لتفتح أبوابا لأحداث تجري في غرفة معزولة في طبقة ثانية لمبنى يدير قفاه لقاعة كان يجتمع فيها الكثير من الحالمين. وكنت ارتادها مع صحبتي كثيرا ولم يدر بخلدي يوما اني سوف اقابلها بكل هذا العبث المجنون. لم يتسن لي أن أتفحص ملامح الحجرة، إذ حال عني ذلك عوازل غلفت عيناي كالمعتاد، لكني لمستها بآلامي وصرخاتي ودمائي التي صادفت جدرانها تروي لها شيئا من مشاعر جياشة كانت تتوزع بين ألم وشفقة على جلاد كان يتعب من إيقاع العقوبة بي لجرم ارتكبته بإدمان ولازلت افعل حتى اليوم، جرم الشبق الى الحرية والإصرار على بلوغ قيم الإنسانية .

في الليل اقتادوا احد الرفاق الى حيث لا ادري وتبين فيما بعد انها غرفة علوية سوف اكون ضيفا مدمنا عليها، حينها لم أكن قد تعرفت بعد عليها ولا هي عرفتني. بعد ساعات عادوا به. كان صدى ألمه يشق كثبان الظلام ويحفر أخدودا في صخر الضمير الإنساني المعطل حتى إشعار آخر. انتابتني رعشة خوف غريزي من مواجهة الألم وتزايد خوفي وأنا أنصت إليه وهو يطلب من السجان أن يرفع عن عينيه الخرقة التي تعصب عيني لأنه عاجز عن رفعها. ماذا فعلوا به فأضحى لا يقوى حتى عن إزاحة عصابة يمكن لطفل رضيع ان يرفعها؟ سؤال لخص كل الخوف الذي حل بي والقشعريرة التي انتابتني وأرجفتني كسعفة في مهب ريح موسمية.

ازدحمت مخيلتي بصور لم أشاهدها، ولكن كان يجمعها ثوب قسوة استحكم الفشل في إيجاد عذر لها. حتى وان وجد السفسطائيون واصحاب الجدل الفارغ تبريرا في كل مرة لعنف البهيمية الذي يظهر بشريا أحيانا او بكلمة اصدق ينسبوه للبشر.

جاء دوري اخيرا و صعدت سلالما كثيرة وأدخلت على ضابط (ع.ع.) بدين قاسي اعرف اوصافه من اللقاء الاول الذي حدثتكم عنه انفا، تعرفت عليه من صوته، إذ بت انظر الى العالم من إذني لسبب عاد معروفا عندكم ولن اضجر مسامعكم به بعد الآن.

بادرني بسؤال بلا مقدمات:

من مسؤولك في التنظيم ؟ هكذا سألني

مستقل، بلا تردد بحسم سريع رددت له الجواب

وحتى قبل أن تصل كلمتي الجواب الى إذنه الصماء عن سماع اي جواب، كانت قبضة فولاذية ترتطم بمعدتي بعنف شمشوني، سحبني وجعها الى الأرض وهويت كحجر يرطم ارضا من برج عال.

صاح بهم آمرا: خذوه.

أصعدوني سلما صغيرا ,وارتكب الحديد خطأ آخر، إذ لم يكفه قيد المعاصم كما فعل من قبل، بل علقني هذه المرة الى سقف الغرفة متشبثا بالقيود واتكأت قدماي على الفضاء وفوقها جسد تؤرجحه فنون التعذيب.

لحظة مواجهة مع الذات عادت بى الى لحظة الإنسانية الأولى، عندما جردوني من ملابسي تماما. انه ورق جنة ادم المزيف، وما أولئك الملتحفين بالكثير منه ما يفعلوا ذلك إلا ليخفوا قبح سوأة الخطيئة التي تغمرهم.

أرادوا اقتحام عفتي وحيائي وما عرفوا أنهم فجروا فيَّ براءة ادم قبل أن يصل شجرة الرذيلة. هذه أسمال الفضيحة، لن يعيبني التجرد منها وهل يعيب المرآة أن ترتد الى فطرتها الأولى ويزاح منها كل كدر؟ خذوها انما يحتاج الى الستر من به عيب ومن عيوبكم انا برئ.

رشوا عليٌ سائلا سريع الاشتعال غمرني باللهب مرات عديدة، وبين لهب حريق وآخر كانوا لا يجدوا منفضة لجمر سجائرهم إلا في جسدي الأسمر السابح ألما في الفضاء مختنقا بدخان سجائرهم وفحش قولهم. هراوات خشبية واخرى حديدية كانت تترك بصماتها على أعضاء بتناوب مجنون، واستحال ثوب الألم المزمن درعا واقيا يصد موجات الغضب.

دم حار الى حد اللسع جرى على غير ما اعتاد عليه بين أنسجة ممزقة في جسدي خصوصا عند الكتفين المخلوعين. بدأت استجمع قواي الكامنة في مجهول عقلي حتى الاحق سمو الروح. الندوب والجروح بعضها سيلتئم يوما وأخرى ستبقى نياشينا لذكرى مواجهة محفورة أبدا في جسدي ليفوح في كل حين منها عطر الدم الذي يصرع السيف في كل منازلة.

خدر سرى في كل أنحاء جسدي قتل الألم وبدأ يعطل الحواس شيئا فشيئا كلما تصاعد زمن المواجهة سائبة النهاية، ولكنها هذا اليوم قد انتهت وكانت جولة أولى.

قال لي احدهم بعد حفلة السمر هذه، التي تناولت فيها كثير من مشروباتهم السادية، انه قد تعب وعلي أن اعترف وكفى مقاومة. قلت له بلا ادنى تردد أني لم ولا أنوي أن اسبب لك تعبا. أشفقت عليه كثيرا ولكنه قهقه ساخرا او مستغربا، ظل يردد مقولتي لوهلة، بدا لي انه صدقها بعمق، لكن للأسف بدا ايضا انه لم يفهمها. كنت أتمنى له ان يشعر بما أقول ولكن انى لمن خاض في وحل حظيرة خنازير أن يشم عطرا فواح. ليس باليد من حيلة لكن علي فعل ذلك، ولن اتوقف وسوف يفهم اغنيتي يوما.