ليس من السهل الكتابة عن ترجمة الرجال الأفذاذ، الذين قدموا كل ما لديهم لأجل اوطانهم وعقيدتهم، وواحد من هؤلاء عزيز العراق.
عبد العزيز آخر انجال مرجع الطائفة السيد محسن الحكيم “طاب ثراه”، ولد في النجف الاشرف، مدينة إمام المتقين علي إِبن أبي طالب “عليه السلام”، في عام 1950 من القرن الماضي، من أُسرة علوية عُرفت بالعِلم والتُقى والجهاد والشهادة.
نشأ في كنف والده الإمام الحكيم “قدس سره”، وتغذى منه مناهل العِلم والمعرفة، حيث منابع النجف الأشرف والعِلم والجهاد.. منذ نعمومة أظفاره التحق بالحوزة العلمية، ليتغذى من علومها ومعارفها، فدرس المقدمات في مدرسة العلوم الإسلامية، باشراف أخيه شهيد المحراب “رض”، وبعد انهائه لمرحلة المقدمات انتقل لمرحلة السطوح، تتلمذ على ايدي اساتذة الحوزة كأخيه الشهيد محمد باقر الحكيم واخيه الشهيد عبد الصاحب الحكيم وكذلك على يد السيد محمود الهاشمي في الفقهة والاصول، فبعد اكماله لهذه المرحلة انتقل الى مرحلة البحث الخارج فقهاً واصولاً لدى الشهيد محمد باقر الصدر “رض”، وحضر ايضاً عند أستاذ الفقهاء الامام الخوئي ” رضوان الله عليه”.
كان له دور كبير في الجهاد المقاوم، فبعد صدور الفتوى الشهيرة للشهيد محمد باقر الصدر، في الاوساط الحوزوية خاصة والعراق عامة، بالتصدي للنظام البعثي من اجل ازالة الكابوس عن صدر العراق، باعتماد الكفاح المسلح ضد نظام صدام.. وازداد نشاطه وكفاحه بعد هجرته من العراق، فأسس مع مجموعة من المجاهدين والمتصدين لنظام صدام، حركة جهادية عِرفت بِأسم حركة المجاهدين العراقيين، وكان ذلك في مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي في المهجر.
مارس العمل السياسي والتصدي العلني لنظام صدام، فكان من المؤسسين لحركة جماعة العلماء المجاهدين في العراق، عضواً في الهيئة الرئاسية في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، الى ان اصبح رئيساً للمجلس الاعلى بعد استشهاد شهيد المحراب “قدس”
كان العين الساهرة على العراق وشعبه، والصوت الذي صك مسامع سلطة البعث، بكشف زيفها وفضح الجرائم التي ارتكبها طاغية العراق صدام، امام انظار العالم اجمع، من خلال المؤتمرات والوقفات الاحتجاجية.
لم يشغله العمل السياسي والعسكري، بالرغم من كثرة مهامه ومسؤولياته الجِسام، ان يغفل عن العمل بحقوق الانسان، حيث شرع في العمل في هذا المجال، بعد ان لاحظ وجود فراغ كبير في هذا المجال، وادرك ان هذا الجانب يجب الاهتمام به لما له صدى واسع في كشف حجم الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب العراقي، ولكون الداخل العراقي مغيب عن العالم الخارجي، فبادر بتأسيس “المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق” وهو مركز يعني بتوثيق انتهاكات وجرائم ارتكبها حزب البعث بحق الشعب العراقي في تلك الحقبة المظلمة، وقد تطور هذا المركز وتوسع حتى اصبح مصدراً رئيسياً لمعلومات لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة.
عمل “قدس سره” في مجال الاغاثة الانسانية وتقديم الدعم والعون، للعراقيين في مخيمات اللاجئين العراقيين في ايران، وعوائل الشهداء في داخل العراق، وكانت هذه المساعدات تصل الى داخل العراق ايام النظام الارهابي البائد.
مظلوميته فيها وجه من وجوه التشابه من مظلومية جده الإمام الحسن المُجتبى المسموم “ع”، مثلما ظُِلمَ الإمام من القربين والبعيدين له، ايضاً عزيز العراق لم تقتصر مظلوميته على جهة معينة فحسب، ظُلم من القريبين والبعيدين، المُحب والمخالف له، من المُحب لعدم فهمه له، ومن المخالف فوجهت له الاتهامات الباطلة والاكاذيب المفضوحة التي يستخدمها ويسوقها اعدائه لنيل منه، لا لشيء سوى لانه رجل ناجح في مشوار حياته ولحمله لهموم وتطلعات شعبه المظلوم فوجهت اليه سِهام الحسد والحقد معاً، بالرغم من ذلك كله لم يستطيعوا النيل منه.. ما كان لله ينمو.
ولِده عزيزاً ورحل عزيزاً في قلوب محبيه ومريديه، لانه رجل لم يكن يعمل لنفسه، فجند روحه الطاهرة لله اولاً و للعراق وشعبه ثانياً، فصدق مع الباري “جل وعلا” ومع شعبه فخلد الخالق ذِكراه في قلوب محبيه، هنالك عروش تهوى وتذهب بمرور السنين لان اصحابها لم يعملوا لله ولشعوبهم، بمجرد رحيلهم هوت عروشهم ولم يخلدهم التاريخ ولم يذكرهم الا واللعنات تلاحقهم، بينما عباد الرحمن، الذين نذروا انفسهم لبارئهم ولشعوبهم، جعل العلي القدير عروشهم في قلوب الاحرار عامرة بذكراهم ومحبتهم.