23 ديسمبر، 2024 11:56 ص

من سيفرح بضربة عسكرية امريكية لايران ؟!!

من سيفرح بضربة عسكرية امريكية لايران ؟!!

قبيل انعقاد اجتماع مجموعة العشرين الأخير تصاعدت امال البعض حول امكانية حدوث إختراق من شانه تخفيف حدة التوتر المتصاعد في أزمة العلاقات الامريكية – الايرانية ؛ لكن سرعان ماتبددت تلك الامال حيث لم توجه الدعوة لايران للمشاركة في الاجتماع . ان طبيعة مستوى هذا الاجتماع وجدول أعماله المفتوح لمناقشة الأزمات الدولية الملحة جعلت من تقاليد عمله دعوة بعض الدول التي ليست عضواً في المجموعة ، وتكون في العادة طرفاً في هذه الأزمات او لاعباً له دور فيها . لم توجه الدعوة لايران ولم تتم مناقشة ازمتها مع الولايات المتحدة ، بل بدا واضحاً ان الاطراف الدولية الكبرى [ مثل روسيا والقوى الاوروپية واليابان ] كانت على قدر ملحوظ من عدم الارتياح لمواقف ايران الاخيرة التي تمثلت برفض الوساطة اليابانية وتهديدها بتجميد بعض التزاماتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم ، وهو ماحصل لاحقاً . كل ذلك جعل بعض المراقبين يميلون الى ترجيح احتمالية انتهاء الأزمة بنزاع مسلح ، بل ذهب بعضهم الى الجزم بان الطرفين ، وبقدر ما يؤكدان على عدم رغبتهما في الحرب ، فأنهما يتجهان بشكل حثيث باتجاهها .

لماذا ؟!

نعرف ان الأزمة قد بدات والطرفان قد اتخذا سقفاً عالياً لمواقفهما ؛ في مقابل سياسة ” الضغط الأقصى ” وخنق الاقتصاد الايراني الذي تتبناه الولايات المتحدة ، باشرت ايران في انتهاج سياسة اقصى درجات المقاومة والرفض لاي حوار مع الطرف الامريكي في ظل العقوبات ، كما باشرت بعدد من عمليات التصعيد العسكري والتحرش المسلح بحلفاء الولايات المتحدة وبحرية الملاحة النفطية بالقرب من المنفذ الجنوبي الوحيد للخليج العربي . قام الحوثيون باستهداف مصالح حيوية داخل السعودية وتم تفجير اربع ناقلات نفط بالقرب من الفجيرة ثم تفجير ناقلتي نفط في بحر عمان ، وقام الايرانيون باسقاط طائرة استطلاع امريكية بزعم اختراقها للمجال الجوي للمياه الاقليمية الايرانية ، وهو زعم نفاه الامريكيون مؤكدين ان طائرتهم كانت فوق المياه الدولية ، تزامن ذلك مع رفض المرشد استلام رسالة دعوة للحوار حملها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ؛ لعلنا نذكر ان الموقف كان اكثر سوءاً في عام ٢٠١٢ ، وكان للولايات المتحدة حشد عسكري اكبر في منطقة الخليج مع حزمة هائلة من العقوبات الامريكية حينما قبلت ايران في وقتها الجلوس الى مائدة المفاوضات بوساطة عُمانية مع الطرف الامريكي لينتهي الامر عام ٢٠١٥ بعقد جولات من المفاوضات العلنية بين مجموعة ٥+١ مع ايران لتكريس ماتم الاتفاق عليه في لقاءات مسقط السرية بين ايران والولايات المتحدة .

من الواضح اذن ان ايران قد اغلقت تلك الكوة الصغيرة التي يمكن تؤمّن الشروع بحوار والتي فتحتها رسالة ترامپ غير المُستلمة ، وجاء الرد الامريكي بحزمة جديدة من العقوبات طالت هذه المرة راس النظام في طهران ووزير خارجيته .

هذا الموقف يحتم علينا الذهاب باتجاه فرضية بامكانها تحديد سبب استحالة حوار يعلن الطرفان رغبتهما فيه ، وهو حوار يفترض ان يتم ، خاصة وان الظروف هي اقل سوءاً من الظروف التي قادت الى حوار مسقط ثم الصفقة النووية في وقت مضى وليس بالبعيد .

في تقديري المتواضع ان أزمة العلاقات الامريكية – الايرانية الراهنة لاتكمن في قضية الملف النووي ، بل تتعلق بما يمكن وصفه سياسة الامن القومي الايراني في اعلى مستوياتها ( Grand Strategy ) ، وتحديداً قضية مضمون ونطاق النفوذ الايراني في المنطقة ، وقد عرض الوزير پومپيو موقف بلاده من خلال اثني عشر بنداً يتعين على ايران الالتزام بها لانهاء الأزمة ، اما قضية الملف النووي فهي ليست سوى الغلاف الظاهر لجوهر الأزمة [ يعرف الامريكيون ان ايران ليست في وارد السعي لامتلاك سلاح نووي ، وقد ثبت انها قامت طوعاً ودون اعلان بانهاء المشروع الخاص بالأبحاث الخاصة بإنتاج جسم القنبلة للفترة ٠٢ – ٢٠٠٥ وهو الموضوع الذي سيحمل عنوان موقع پارتشين العسكري فيما بعد ] .

من الواضح ان الفوضى التي تسود المنطقة ، ونجاح ايران في الاستثمار فيها ، سببتها عملية توافق عدد من الاحداث الكبرى اقليمياً ودولياً : منها عملية احتلال العراق وتغييبه كمعادل اقليمي لايران ، ثم تركه في فراغ سياسي كامل بالانسحاب الامريكي عام ٢٠١١ ، ومنها سياسة الانسحاب من عموم المنطقة والتي انتهجتها ادارة اوباما تحت وطأة الأزمة الاقتصادية لعام ٢٠٠٨ ، كل ذلك في ظل عجز النظام الرسمي العربي عن تقديم مشروع او رؤية عملية لاملاء الفراغ الذي نجم عن غياب العراق وغياب الولايات المتحدة ، قادت هذه العوامل مجتمعة الى نوع من التفرد الايراني غير المنضبط في المنطقة ، وهو تفرد كان يتماشى مع احلام امبراطورية هي مزيج من طائفية مقيتة تضع ايران في مواجهة العالم الاسلامي برمته ، ونزعة قومية جوهرها كره تاريخي للعرب نعرف ابعاده الكامنة في العقل اللفارسي الباطن والواعي فضلاً عن السعي لتحقيق حلم إيراني بالوصول الى منافذ على سواحل المتوسط تغنيها عن الاعتماد على الخط البري الطويل وغير الامن الذي يربطها باوروپا عبر تركيا .

عوضاً عن ان تقوم ايران الجمهورية بتأمين ذلك من خلال اتفاقيات مع دول المنطقة فقد انتهجت ايران سياسة مختلفة في عموم المنطقة ؛ انتهج نظام الجمهورية الاسلامية سياسة ذات بعد إمبراطوري توسعي تقوم على دعم الأقليات في المنطقة والتحالف معها ، بدءاً بالأقليات الشيعية بمختلف توجهاتها المذهبية ، وغير الشيعية مثل فصيل الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية [ درس تعلمته ايران من احد فروع الستراتيجية العليا للكيان الصهيوني في المنطقة وضعها بن غوريون مطلع الخمسينات وتابعتها وطورتها الحكومات المتعاقبة وتحمل عنوان ” الطوق الخارجي Periphery ” وتتضمن في جوهرها في بناء تحالفات مع دول الطوق الذي يحيط بدول الجوار العربي لفلسطين المحتلة ومد جسور للعلاقة مع النخب القيادية للاقليات الدينية والعرقية ودفعها للتمرد وحتى الانفصال على السلطات القائمة وان تكون عامل عدم استقرار دائم في بلدانها ] ؛ اخذ هذا الدعم شكل التسليح والعسكرة والتمويل المالي وتوفير المنابر السياسية والدبلوماسية الامر الذي قاد الى فوضى عارمة خرجت عن السيطرة واثارت القلق خاصة عندما بدأت ايران بتعميم نموذج حزب الله اللبناني في عموم المنطقة رغم اختلاف المعطيات ؛ اذ يمكن فهم ظاهرة حزب الله في لبنان استناداً لمبرر مواجهة الاحتلال الاسرائيلي ، ولكن كيف يمكن تبرير ظاهرة مثل مليشيا الحوثي في اليمن وهيمنتها على السلطة في البلاد اثر انقلاب عسكري وهي لاتمثل سوى أقلية صغيرة في بلد ساد الوئام اطيافه الدينية والمذهبية طوال التاريخ الذي نعرفه ، وكيف يمكن فهم سياسة انشاء المليشيات المسلحة في العراق التي تعلن ولاءها بشكل صريح للقيادة الايرانية ، وشكلت عاملاً رئيسياً في أعاقة تشكيل دولة يمكن اعتبارها دولة كل العراقيين . لقد اصدر رئيس الوزراء العراقي مرسوماً جديداً حول اعادة تنظيم الحشد الشعبي وجعله جزءاً من نظام معركة الجيش ، وهي محاولة شبيهة بمحاولة العبادي فعل ذات الشيء من خلال قانون خاص لم يكتب له ان يتحقق على ارض الواقع لاسباب تتعلق بمدى النفوذ الايراني وهيمنة الحرس الثوري الايراني على تفاصيل الحياة السياسية في البلاد ، فضلاً عن صعوبة ضبط اداء وسلوك قيادات وافراد منظمات لاحصر لها ويتم إنشاؤها وفق مصالح فئوية وطائفية وحتى عشائرية ، الامر الذي حول اداء هذه التنظيمات المسلحة الى مايشبه عصابات الجريمة المنظمة ، ناهيك عن الثمن الباهظ الذي اجبر اهل العراق من العرب السنة على دفعه تحت ذريعة محاربة الاٍرهاب ، وفي بلدين فقط على امتداد الكرة الارضيّة ، هما سوريا والعراق ، تم هدم مدن مليونية ، بل متعددة الملايين من السكان ، على رؤوس اَهلها بحجة محاربة الاٍرهاب ؛ وليست صدفة ان يكون اَهلها هم من العرب السنة . وفي سوريا قامت ايران باستقدام عشرات الالاف من المليشيات الشيعية الافغانية والپاكستانية اضافة الى آلاف من عناصر الحرس الثوري الايراني تحت ذريعة حماية مراقد شيعية مقدسة (!!) بنيت وظلت في حفظ وصون اهل العراق والشام من العرب السنة عبر مئات السنين . اما في لبنان فقد تحول حزب الله بعد حربه ، التي أعلن ندمه على دوره في قيامها ، مع الكيان الصهيوني عام ٢٠٠٦ الى حزب سياسي مسلح مهمته تعطيل قيام دولة مقتدرة في البلاد ؛ قدم نموذجاً لما قد يفعله اذا خرجت اللعبة السياسية عن ارادته باجتياحه بيروت صيف عام ٢٠٠٨ بقوة السلاح ، ووضع البلاد منذ ذلك الحين تحت رحمة سلاحه ، لكنه لم يعاود إطلاق رصاصة واحدة نحو العدو الصهيوني ؛ وعلى نهج قدوته السيد الخامنئي أعلن السيد حسن نصر الله انه لو نشبت الحرب مع الكيان الصهيوني فانها ستكون نهاية هذا الكيان … ان كان الامر كذلك ومع توفر الطريق السالكة الى القدس عبر بغداد ودمشق وبيروت فما الذي يمنع محور المقاومة من الشروع بتحرير الأقصى واسترداد الارض السلبية ؟!! كل ذلك احدث تراكمات من الكراهية والنفرة في الاوساط الشعبية والرسمية في عموم العالم العربي من سياسات نشر الفوضى الطائفية ، ونحن نذكر كيف استبشر الناس بسقوط الشاه وصارت طهران في اوائل ايام الجمهورية الاسلامية محجّاً لقيادات العمل الوطني والإسلامي من جميع أنحاء العالم العربي .

لقد اختلف الناس كثيراً مع المرحوم جمال عبالناصر ولكن عندما حلت هزيمته امام الجيش الاسرائيلي عام ١٩٦٧ لم يشعر من يخاصمه من العرب بالفرح والتشفي بما في ذلك من وصلت به حالة العداء مع المشروع الناصري حد الصدام العسكري [ كما كان الحال في اليمن بعد قيام الجمهورية ] ؛ لقد ساد شعور عام في العالم العربي والإسلامي بالتضامن من اجل تجاوز الهزيمة التي انتاب الجميع شعور بانها هزيمة للعرب والمسلمين ، وعندما حلت بالعراق نائبة تداعيات قضية الكويت من عدوان تدميري عام ١٩٩١ ثم احتلاله عام ٢٠٠٣ ساد شعور عام في العالمين العربي والإسلامي ذات الشعور ، ان لم يكن على مستوى النظام الرسمي فعلى المستوى الشعبي الذي عبرت عنه الجماهير بمظاهرات عارمة حتى في الولايات المتحدة وبقية دول العدوان . رغم كل اخطاء التجربة الناصرية وتجربة البعث بقيادة المرحوم صدام حسين فإنهما لم يتسببا في هدم مدن على رؤوس اَهلها وتشريد الملايين نزوحاً في المخيمات او لجوءاً في المنافي ؛ على العكس مما تفعله سياسات ايران التي تقودها بوصلة هي مزيج معقد من احقاد شعوبية على العرب ونزعة طائفية مؤسسية مقيتة مبنية على الاوهام التي زرعت الكراهية في طول العالم الاسلامي وعرضه ، والاكثر خطورة انها وسعت امام العدو الصهيوني منافذ الولوج الى قلب النظام الرسمي العربي الذي بدأ يروج لأطروحات غريبة لم يكن يجرؤ على الحديث فيها لولا ماتوفره سياسات ايران من ذرائع ، ووجد هذا النظام المهترئ في نماذج الكوارث التي حلت بالعراق وسوريا مايبرر به افعاله المشينة من سعي للتطبيع مع الكيان الصهيوني او في هدر اموال الأمة على تسلح لاتستفيد منه سوى مجمعات الصناعات العسكرية في البلدان الغربية الكبرى .

لاشك ان نزعة من التشفي والفرح تعم الان في عموم بلاد العرب والمسلمين كلما شعروا ان الأزمة بين الولايات المتحدة وايران تتصاعد ، واجزم ان الدعاء التقليدي ” اللهم اضرب الظالمين بالظالمين ” يتردد على السنة مئات الملايين من المسلمين ،،، ان ثورة أنجبت ” جمهورية إسلامية ” ماكانت ستوصل الامور الى هذا الحد لولا انها ظلت الطريق وجعلت الاسلام خارج بوصلتها ، وحلت مكانه نزعة طائفية وأحقاد تاريخية هما مايحددان اتجاه هذه البوصلة ، وليس لاحد بعد ذلك ان يتساءل عمن سيفرح او يتشفى بضربة امريكية لايران لان هذا الفرح والتشفي ممتد في نفوس قرابة مليار ونصف مسلم رأوْا بأعينهم مايمكن ان تسببه سياسات جمهورية طائفية تنتحل اسم الاسلام وتتسبب بكل هذا الحجم من الماسي للمسلمين ،، اليس جدير بعد ذلك بهذه الجمهورية ان تعيد النظر في وضعها وموقفها ،،