22 ديسمبر، 2024 11:47 ص

بصفتي لا أحمل عنواناً وظيفياً مميزاً ولا أملك منصباً يؤهلني الجلوس في الصف الأول من المقاعد، فإنني أحرص دائماً على اتخاذ مقعدي في الصفوف الخلفية في كل المؤتمرات والندوات والمهرجانات وغيرها من المناسبات التي أحضرها.

أحس نفسي في أمان بالغ وأنا أجلس بعيداً عن الصف الأول المخصص لأصحاب السيادة والحضرات والمعالي. هنا ليس لأحد أن يطلب مني إخلاء المكان حين حضور السيد المسؤول.

الجلوس في البعيد يمكنني من متابعة ومشاهدة كل ما يجري أمامي، سواء على خشبة المسرح أم خارجه. فبإمكاني رؤية كل ما يدور في القاعة وليس من شيء بمنأى عن ناظري. فمن الأمور الفكاهية التي أرصدها كل مرة هو تدافع الأخوة من أصحاب المناصب للجلوس في المقاعد الأمامية.

المشهد يذكرني بالصفوف الطويلة المنتظرة في موقف السيارات لقدوم سيارة الباص. حيث يسارع الجميع الركوب أولاً للحصول على مقعد خلف السائق في الأمام. تدافع وتلاسن بين الركاب أمام الباب الضيّق لسيارة الباص وصياح السائق (اخوان بالسرة ترا السيارة فارغة) كثيراً ما أستذكره وأنا أشاهد التدافع للجلوس في الصفوف الأمامية في المناسبات.

بطبيعة الحال فإن السّادة المسؤولون يحضرون متأخرين كل مرة عن ساعة بدء الاحتفال بسبب انشغالاتهم الجمة بأمور المصلحة العامة. وعندما يحضر أحدهم يجد أن الصف الأمامي قد أشغل من قبل الآخرين. وهنا تبدأ المشكلة في ايجاد مكان لجلوس صاحب المنصب. الكل يتسابق للجلوس في المقاعد الأمامية كما يتسابق الركاب في صعود باصات الريم أو الكوستر. لا أحد يفسح المجال للآخر في الجلوس بحيث يتجاهل أحدهم النظر المباشر في عين المقابل تلافياً لترك مكانه له. بل تجد الجالسين في الأمام يشغلون أنفسهم إمّا بأجهزة الموبايل أو بالشخص المجاور وكأنه لا يشاهد الضيف القادم الذي يبحث عن فرصة الجلوس على كرسي في الصف الأول.

ومن ملاحظاتي في هذه المناسبات هي أن الكثير من الحضور يعتبرون أنفسهم محقين في الجلوس على المقاعد الأمامية. سواءً أكان صاحب سيادة ومنصب أم لا، فهو يجد أن مكانه في الصف الأول. حتى غدا الحصول على مقعد للجلوس في الصف الأول أمراً ليس بالهيّن.

كل هذا يشكل إحراجاً بالغاً لمنظمي المناسبات والاحتفالات. كما فيه مشكلة كبيرة للسادة المسؤولين الذين يحضرون المكان بلباسهم الرسمي والقاط والرباط ولا يجدون كرسياً في الصف الأول. تجد القائمين على تنظيم المؤتمر يجهدون في منع العامة من الجلوس في الأمام تلاشياً للإحراج الذي يقعون فيه حال قدوم السادة. وكثيراً من الأحيان يفشل القائمون على التنظيم في تفريغ المقاعد الأمامية بسبب الكم الهائل من الذين يستحقون الجلوس في المقاعد الامامية ما يؤدي إلى حرج كبير وزعل البعض.

لتخطي هذه المعضلة اقترح على القائمين بتنظيم هكذا احتفالات اطالة الصف الأول والإكثار من المقاعد فيه وتقليص الصفوف الخلفية. عندها يجلس الجميع في الصف الأول دون حدوث أية مشاحنات ونظرات اشمئزاز.

وكما يقول المثل التركماني (أنت آغا وأنا آغا.. فمن سيحلب الأبقار؟!).