من ملفات نهب وسرقة الاثار العراقية.
مكثت يوم كامل وإنا أعيد قراءة فصلا مهما من فصول كتاب الكارثة للباحث الاثاري عبد السلام طة ..كنت التهم الصفحات وعينياي تذرف الدموع وصدري يضيق حتى كدت أختنق ..وانا اطلع على الأرقام المهولة التي سجلت لأثارنا التي سرقت من متاحفنا ومواقعنا الأثرية .
ولأشد ما ألمنى هو ماجرى للمتحف العراقي الذي سرق وبشكل منظم وتحت رعاية ومباركة قوات الاحتلال الامريكي .والتى كانت دباباته لاتبعد عن بوابة المتحف سوى أمتار ..وكان الجنود اليانكي يلو حوون للصوص ويبتسمون ويشجعونهم على النهب والتدمير ..
الفاجعه حلت فجر يوم الأربعاء التاسع من أبريل/ نيسان 2003 حيث عمت السرقة والسلب والنهب العديد من مؤسسات الدولة، وكان أكثرها فداحة ما تعرض له المتحف الوطني العراقي على مدى ثلاثة أيام متتالية (الخميس والجمعة والسبت 10 و11 و12 أبريل/ نيسان)).
شهود العيان على ما حدث للمتحف قالوا :إن اللصوص جاؤوا على شكل عصابات وإفراد وقدر عددهم بـ400 شخص حملوا معهم ما أمكنهم نهبه وحطموا الكثير مما عجزوا عن حمله..أذ.
كان في المتحف العراقي قرابة 220 ألف قطعة وأتى اللصوص على قرابة 15 ألفا لم يعد منها سوى 4000 فقط والبقية ظلت حتى الآن مسروقة.واغلبهم لصوص مؤدلجون: وقد كانت وراء سرقتهم نية مبيتة تهدف إلى طمس حقائق تاريخية معينة.
فهؤلاء كانوا يتوجهون لسرقة آثار يعرفون مسبقا قيمتها فكانوا ينتزعونها من مكانها بعناية بالغة.
فعلى سبيل المثال سرقت أحجار مختومة بأسماء ملوك ومعابد سومرية وتركت مسلة حمورابي الموجودة معها في نفس الواجهة الزجاجية. فهم يعرفون أن هذه الأحجار المختومة التي سرقوها أصلية أما المسلة فهي نسخة جبسية منقولة عن النسخة الأصلية الموجودة في متحف اللوفر الفرنسي، لذلك تركوها.
ومن بين خزانات العرض البالغة 451 خزانة والموزعة على قاعات العرض الـ14 والموجودة في الطابقين العلوي والسفلي لمبنى المتحف تحطمت 28 خزانة وبقيت فارغة بعدما نهبت محتوياتها.
.
أن توصيف كارثة لايليق بمسمى هذه المأساة التاريخية والإنسانية والحضارية وتدمير حضارة بلد وتاريخ امة علمت البشرية ووقف العالم إجلالا وإكبارا لتاريخها ولمجدها.ومن المرارة ان يجرى كل هذا الخراب تحت أعين جنود أمريكا التي جاءت بهم حكومتها بحجة التحرير والانعتاق من الظلام والعبودية .
لو تتبعنا مسلسل السرقات لوجدنا إن الداء قد استشرى في بنية المتحف العراقي أذ كانت أول الأخطاء التي ارتكبت في إدارة المتحف العراقي في الثماننيات هي إلغاء تدوين وترقيم اللقى والمقتنيات الأثرية وأتباع أصول التدوين والحفظ كما تفعله كل متاحف العالم .. و أن مثل هذا التقليد اختفى تدريجياً ، حتى استغنى المتحف عن عملية التسجيل تماما ، حيث تنامت السرقات والمتاجرة بالآثار من الدائرة المقربة من الرئيس االمقبور صدام حسين ؛ وظلت عمليات الحفظ تتم عبر سجلات وهمية ، تحت عنوان (( سري للغاية )) . وبفضل هذا التدهور ظل الجميع حائرا ً ، بعد النهب الشامل سنة 2003 ، إذ ليس هناك سجل يُرجع له ،.لمعرفة مواصفات وعائديه تلك اللقى. .
وسجلت اول السرقات في صيف عام 1999وهي زوج من الأقراط عثر عليهما في المقبرة الملكية في أور ويعود تاريخها إلى عصر فجر السلالات الأول ،عندما تم ترتيب المقتنيات حسب تسلسلها الزمنى في عارضات المتحف ..وكان المتهم الاول هي مديرة المتحف ، ألا ان القضية أغلقت ، كما في القضايا السابقة ، وانتهت التحقيقات إلى عدم تحديد السراق ، وسجلت القضايا كلها ضد مجهولين..
ألا أن القضية الأشهر هي سرقة القلادة السومرية وهي من أجمل وارقي قلادة في العالم ولا تقدر بأي ثمن… ! أذ يبلغ وزنها 2 كغم من الذهب الخالص والأحجار الكريمة ،أذ يذكر د. علاء بشير بأن ساجدة خير الله طلفاح لبستها في احد حفلاتها ……عند استقبال عقلية الرئيس القذافي في زيارتها لبغداد ! و دونت هذه القلادة النفيسة كما جاء في كتاب “كنوز المتحف العراقي” للدكتور فرج بصمجي امين المتحف العراقي حينها,ونشرت صورة لها في الصفحة 223 برقم 93.وكانت في الخزانة رقم 45 ووصفها بأنها ( من الحجر السليماني مؤطرة بالذهب ومرصعة باللؤلؤ، ومن خرزات من العقيق اليماني الاحمر ومن الـذهب ،وجميعها منضودة بسلك من الفضة).و يقول أن ملك اور قد اهدى القلادة الى الكاهنة الكبرى ابا بشتي في معبد اي انا المقدس ..
في إحدى اللقاءات التي جمعتني أخيرا في الناصرية بالباحثة أميلي بورتر والتي كانت موظفه في المتحف العراقي وقتها بأنها .كانت من الـذين ذهبوا ليشهدوا على جريمة اغتصاب بشعة. اذأخرجت القلادة السومرية وسلمت لرجل من القصر الجمهوري ،أتى ومعه رجال من حماية القصر ..ولم تعود مرة اخرى الى المتحف وأختفى أثرها الى يومنا هذا.
بالواقع تتبعت العديد من المواقع والمدونات لأحصل على تاريخ هذه الزيارة …إلا إنني وجدت الزيارة الوحيدة الموثقة هي زيارة الرئيس الليبي لبغداد في 4 اب 1970 وأستقبل حينها من قبل الرئيس الراحل احمد حسن البكر … ولربما رافقته زوجته.. وفي وقتها لم يكن لصدام دور واضح وجلي في مسك مقاليد السلطة ..وحتى ان الكثير من العراقيين لم يعرفوا أي دور لزوجتة ساجده طلفاح ،وغيرها ولم أجد أية أشارة لزيارة زوجة القذافي في السنوات اللاحقة ..
ربما أكون مخطأ في التقدير أو في الحصول على معلومة الزيارة …لكن أتمنى ان يكون هناك جهد حكومي بتشكيل فريق بحثي مشترك من الشرطة الدولية والمخابرات العراقية وهيئة الآثار للبحث عن هذا الإرث الحضاري المهم ومفاتحة المتاحف العالمية او دور العرض او المزادات العالمية لتتبع أين حل المطاف بقلادتنا السومرية… ليعاد للعراق هوية وطنية ضائعة ..والى حين ذلك يبقى السؤال ..من سرق القلادة السومرية .