18 ديسمبر، 2024 7:38 م

من سار في جنازة رفسنجاني

من سار في جنازة رفسنجاني

بلغ الشيخ السن التي لاإنتظار لشيء بعدها سوى لموت سيأتي.
يقول زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي.
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لاأبا لك يسأم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب
تمته ومن تخطىء يعمر فيهرم
    بلغ الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني 83 عاما من عمره الذي قضاه مصاحبا لشخصية روح الله الخميني كوزير للدفاع في حرب الثماني سنين، وكرئيس للجمهورية بعد رحيل روح الله الخميني وتولي المرشد الحالي السيد خامنائي للقيادة في الجمهورية الإسلامية، وتميزت الفترة التي تولى فيها الرئاسة بتفردهاعن بقية المراحل، فهو كان معنيا بالتخلص من تبعات الحرب والنهوض بالإقتصاد الوطني والشروع بعملية ترميم العلاقات مع المحيط الإقليمي والتوجه الى أوربا لفتح آفاق من التواصل لم تكن متاحة في السابق، ثم والمهم أيضا الحفاظ على روح الثورة، ونهج الإمام الخميني الذي كان عنوانا للدولة الناشئة بعد سقوط نظام الشاه.
    رفسنجاني لم يكن راديكاليا بالتمام والكمال لكنه ليس إصلاحيا بذات المعنى، وربما يكون قد إشتغل بعقل تاجر، وبروح متدين، ووجدان فاعل من أجل تحديد الأولويات من خلال إيمانه بأن الطريق ليس بالضرورة مايراه أهل الحكم، وقد يكون هناك جناح سياسي، أو فكري معارض لايلغي نهج الثورة، ولايتعارض معه، لكنه يريد تحقيق الإصلاحات التي تجعل إيران أقوى وأكثر حضورا وهو ماعرض علاقته بأقطاب الثورة الى شد وجذب كلفه الكثير من العزلة لكنه بقي محافظا على علاقاته القوية بالمرشد الأعلى وبالكبار من رجالات الدين والسياسيين بعد خروجه من مبنى الرئاسة ليتحول الى مشاكس من نوع مؤثر فهو متوغل في عمق المؤسسة الحاكمة، وجزء من منظومة دينية لايستهان بها، وحتى مع بروزه فيما بعد كزعيم إصلاحي إستقطب العديد من الناشطين والمؤيدين، وصار البعض ينظر إليه بوصفه خطرا على الثورة لكنه بقي أيضا محافظا على نهجه، ولم يتعرض للنهج الذي إعتمده روح الله الخميني، وأصر على مواقفه بوصفه مصلحا لا عدوا.
    هل نجح رفسنجاني في ترميم علاقات إيران بالخارج، وهل تمكن من إصلاح الإقتصاد الوطني، وهل أعاد للمؤسسة السياسية بعضا من حيويتها؟ بالتأكيد وبشهادات من مختلف القطاعات في الداخل والخارج فقد كان له الأثر الكبير في تحول سياسي مشهود، ونشاط إقتصادي غير معهود منذ أيام الثورة الأولى، وبناء لمنظومة عسكرية منهارة تعود لتكون الأولى في الشرق الأوسط، عدا عن زيارة لافتة للمملكة العربية السعودية، وتواصل مع الغرب مكن من جاء من بعده كالشيخ محمد خاتمي أو أحمدي نجاد وحتى حسن روحاني ليسيروا بخطى واثقة نحو المستقبل، ويفرضوا معادلة إقليمية ودولية لاتقبل إيران أن تكون على الهامش فيها، بل شريكا أساسيا، أو متسيدا يقرر الوجهة المقبلة للأحداث كما في الخليج وسوريا والعراق واليمن ولبنان، ويؤثر في الصراع وفقا لمصالح الدولة الإيرانية.
    الإصلاحيون في إيران يعتقدون أنهم خسروا رفسنجاني، ولكن الأهم أن إيران ربحت أثرا لايمحى من الشيخ الذي ترك بصمته على بلد ينافس على أمكنة الصدارة، ويجمع المزيد من النقاط، وقد سار في جنازته الجميع من إصلاحيين ومتشددين وفئات من المجتمع أخرى.