يعرف التظاهر بانه تعبير عن الرأي من اجل تحقيق مطلب معين ، او فعل سياسي جماعي يتطلب تنظيما ويهدف الى التأييد او الاحتجاج. واذا كان الاحتجاج هو وسيلة غير مؤسساتية لمحاولة التأثير على السلطة. فان الاعتصام السلمي مظهر احتجاجي اقوى واكثر وضوحا واستمرارا ضد سياسة ما عن طريق التواجد في مكان او مقر يرمز الى الجهة التي تمارس السياسة موضع الاحتجاج… وهو بالضبط ما يحدث قرب المنطقة الخضراء من اعتصام اليوم.
ويجمع التظاهر والاحتجاج والاعتصام عدة ميزات مشتركة ، منها:
– انها وسائل مهمة من خيارات التعبير السلمي عن الرأي الذي يهدف الى التغيير.
– من اختصاص المحكومين – وهم من لهم الحق فقط في ممارستها وليس الحاكمين.
– اداة من ادوات المعارضة السياسية في الضغط لإصلاح السلطة او تغييرها.
– تمتاز جميعها بالتدرج والعلاقة التصاعدية مع تجاهل المطالب؛ من تظاهر الى احتجاج الى اعتصام.
– وسيلة تعبير الاغنياء والفقراء المحرومين والمهمشين على حد سواء دون تمييز.
– لا تتحدد بعدد معين ، لكن تأثيرها يأتي من كبر عدد المشتركين فيها.
– لا تتحدد بوقت بل بتنفيذ المطالب.
وتبقى هذه الوسائل السلمية في اطارها المدني والديمقراطي والدستوري ، لكن خطورتها تأتي من جانبين:
الاول: حينما تكون المطالب غير دستورية او غير منطقية.
الثاني: حينما لا تنفذ السلطة مطالب الجماهير او تدير وجهها عنها وتصم اذنها عن طلبات ممثليها او عندما تلجأ الى قمعها ، وهنا مكمن الخطر الاكبر.
ان لغة التفاهم والحوار بين الحاكم والمحكوم اداة رئيسية لديمومة السلم والتعايش والاستقرار والتطور والرقي ، لكن فقدان تلك اللغة او تجاهلها قد يكون كفيلا بإنتاج ديكتاتورية السلطة او الشخص الملهم او ديمومة اللاستقرار والسخط الشعبي الذي يبدأ ولا ينتهي.
وحتى لا نخرج بعيدا عن الموضوع فان ما جرى في بغداد بساحة التحرير من مظاهرات مطالبة بالإصلاح استمرت من شهر آب من العام الماضي الى قبل اكثر من شهر من الان دون الالتفات اليها او الاستجابة الى مطالبها مع المراهنة على تقلص اعداد المشاركين فيها ، كان مغامرة سياسية غير محسوبة من رئيس مجلس الوزراء الذي تجاهلها تماما رغم انها كانت تدعمه وتنادي بالإصلاح وتطالبه للنهوض به .
اما ما جرى قبل اكثر من شهر من دخول التيار الصدري بقوة على خط التظاهرات فانه تصعيد شعبي وسياسي طبيعي لتجاهل رئيس مجلس الوزراء لمطالبات الاصلاح الشعبي وتجاهل استمرار تظاهرات آب 2015 التي استمرت في كل جمعة منذ ثمانية اشهر.
ان ما يحدث قرب المنطقة الخضراء من اعتصام الان يعتبر اعلى درجات التعبير والضغط التي قد يلجأ اليها الشعب او القوة السياسية المعارضة لإسماع صوتها وتنفيذ مطالبها… والامر كله ما زال في سياقه الطبيعي الديمقراطي والدستوري ، لكن ماذا لو لم تستجب السلطة لمطالب المعتصمين؟ ماذا لو تجاهلتها تماما او راهنت على انفضاضها وتقلص عدد المشتركين فيها مثل كل مرة ؟ بل ماذا لو اصطدمت بها وقمعتها او ارتفعت مطالب المتظاهرين او تحولت الى عصيان مدني او خرج الشعب عن سلميته؛ لا سامح الله ؟.
كلها اسئلة يفترض ان لا ينتظر رئيس مجلس الوزراء من الوقت الاجابة عليها ، بل يجب ان يعمل بجد للنهوض بالمطالب وتنفيذ ما يمكن تنفيذه منها ، لان من حق الشعب ان يعبر.. ومن واجب الحكومة ان تنصت وتفاوض وتغير.