لا تزال المظاهرات المطالبة بالحقوق سارية على عجل وساق رغم تفاوت ضراوتها بين محافظة وأخرى ورغم التعتيم وسياسة القمع المستخدمة من قبل الحكومة وميليشيات الأحزاب, كما لا تزال أزمة الكهرباء على حالها كما كانت وقت ناقشنا أسبابها وتعاليلها في الجزء الأول من هذا المقال, أما الأزمة الثانية فهي ما يشهده العراق من إنخفاض منسوب مياه نهري دجلة والفرات وما جره هذا الأمر من ويلات لا يراد منها سوى القضاء على الشعب وأسباب وجوده.
حيث تراجع منسوب نهر دجلة الذي يعد أطول أنهار العراق والذي تعتمد عليه معظم المحافظات بعد تشغيل سد أليسو التركي المحاذي للحدود المشتركة بين البلدين, ولم تسعى الحكومة لحل هذه المشكلة أو إتخاذ أي إجراء رادع للوقاية من أزمة مائية كبرى تهدد الحياة, ولا يقع اللوم على عاتق الحكومة التركية الساعية لراحة شعبها وتأمين مستقبله وأسباب راحته ولكن يقع اللوم على جبين حكومة الفاسدين في المنطقة الخضراء لعدم شروعها بأي إنجاز مائي طوال سنوات حكمها رغم الوعود والعقود الوهمية التي راح ضحيتها ملايين ومليارات الدولارات, وصل الأمر اليوم لتلوث المنسوب المائي الشحيح وعدم كفاية مياه الري وإرتفاع نسبة التصحر لما يقارب الـ60% على مدى العشر سنوات السابقة.
وبمواجهة هذين المطلبين الشعبيين علقت الحكومة خدمات الإنترنيت على مدى إسبوع كامل ثم إعادته بشكل جزئي مع حجب كافة وسائل السوشيال ميديا, رغم إنها لم تتخذ مثل هذا التصرف على مدى سنوات الإحتلال الداعشي, إضافة الى القمع الذي يشهده المتظاهرين والصحفيين الذي يغطون الفعاليات الشعبية وكل من يعبر عن دعمه ومساندته للمطاليب والحقوق.
كما إن الأحداث التي شهدها ما يسمى بالمثلث السني قبل أكثر من 4 سنوات من مظاهرات سلمية وإنتفاضة شعبية واجهتها الحكومة بالردع والقمع أيضاً, تلاها دس عناصر تخريبية وإرهابية ثم بروز نجم الإرهاب الداعشي الذي أعلن عن دولته بعد إنسحاب كافة القوات الحكومية تاركة خلفها الذخائر والأعتدة كغنائم لهذا التنظيم المجرم, هذه الأحداث سببت منعطفاً خطيراً في كيفية تفكير الأفراد القاطنين في تلك المناطق كما أثرت بشكل كبير على مدى الإحساس الوطني بعد التخاذل الحكومي المعلن وتجاهل حماية المدنيين إلا بعد أكثر من سنتين من الإحتلال, وهو ذات السبب الذي يدفع مواطني تلك البقعة الجغرافية للصمت أزاء ما يحدث في الجنوب العراقي, ولتجنب ما حل سابقاً من دس الإرهاب بين صفوفه أو إلصاق التهم الجاهزة له وتهجيره وقتل أبنائه مجدداً.
نرى ذات الحالة اليوم في الإنتفاضة الجنوبية, فقد ركزت بعض الوسائل الإعلامية المدعومة حكومياً على حالات التخريب الشاذة عن روح الثورة وسط تأكيد جماهيري بأن الثوار براء من مثل هذه الأعمال الفردية داعين للوحدة ورص الصف العراقي لحماية الثروات والممتلكات العامة والشخصية والوقوف بشكل حاسم بوجه الإرهاب الحكومي والميليشياوي والمطالبة بأبسط حقوق الإنسان من العيش الكريم والأمن والنزاهة الحكومية.
إن ملامح هذه الثورة لا تزال غامضة حتى الأن فالغد مجهول كحال مصيرها ولكن يمكن فضح هذا المجهول إذا إتحدت الثورة لتشمل كل أرجاء الوطن مطالبة برحيل الفساد والمفسدين وتشكيل حكومة وطنية مبنية على الوحدة والكفاءة لتعيد إعمار ما تم تخريبه خلال أكثر من عقد على المأساة العراقية.
إبتدأت ثورة العشرين من القرن العشرين بمظاهرات وتنديد بأفعال الإحتلال البريطاني ومطالبة بالحقوق المشروعة ثم واجهت القمع لتعلن عن غضبها, فهل يا ترى سنرى عشرين ثانية في هذا القرن؟.