22 ديسمبر، 2024 10:19 م

من ثورة العشرين للألفية الحادية والعشرين (الجزء الأول)

من ثورة العشرين للألفية الحادية والعشرين (الجزء الأول)

إندلعت شرارة الغضب الشعبي من أقصى الجنوب العراقي بعد سنوات طوال من الطغيان والحرمان, رافضةً سياسة القمع والتنكيل والسرقة والتدمير المتخذة من قبل حكومة بغداد ضد الشعب الأعزل, وهم في ثورتهم هذه إنما يعبرون عن الوعي الشعبي وإن جاء متأخراً فله أسباب تأخره, إنتشر صيت هذه الإنتفاضة لتعم معظم محافظات الجنوب العراقي مطالبة بحقوقها المشروعة, فمنذ أكثر من إسبوع وهي تتسع بغضبها وتنتشر رغم ما واجهته من قمع السلطات الأمنية وبطش الميليشيات المدعومة, مقدمة الشهداء والدماء لتروي شجرة الحرية العراقية, ففي محافظة البصرة سقط حتى اليوم أكثر من عشرة متظاهرين وكذلك الحال في محافظتي النجف الأشرف وكربلاء وذي قار, ولشدة الإتساع وسرعة الإنتشار أطلق على هذا الغضب الشعبي مسمى ثورة العشرين الثانية نسبة الى الأولى الشهيرة ضد الإحتلال البريطاني والتي سيحيي الشعب ذكراها المئوية بعد سنتين.

ويمكن القول إن هذه التظاهرات قد أنطلقت لسببين رئيسين مرجعهما طقس العراق الحار حيث تصل درجة الحرارة الى الستين مئوية في بعض المناطق أضافت الحكومة لهذا الحر الخانق زيادة فترات القطع الكهربائي لتصل الى أكثر من 15 ساعة يومياً, بررت الحكومة هذا الفعل إلتزامها بمقررات منظمة الأوبك الداعية لخفض التصدير النفطي, وهو ما لا علاقة له بفترات القطع الكهربائي حيث إن تشغيل محطات التوليد الكهربائية معتمد كلياً على الإنتاج النفطي ولا يحتاج الى مبالغ مالية إضافية, حيث إن العراق لا يزال يصدر ما يقارب السبعمائة ألف برميل نفطي باليوم الواحد وبسعر خمسة وسبعين دولار, فالوارد النقدي الحالي يكفي لتسديد كافة رواتب موظفي الدولة إضافة لأعمال الصيانة والمشاريع الإقتصادية والخدمية الأخرى التي لم يرَ منها العراق شيئاً حتى اليوم, بينما تستقر أموال النفط بجيوب المسؤولين وأحزابهم حصراً وتمويل تجاراتهم وإحتكاراتهم الشخصية, إضافة الى نفعهم لعدد من دول الجوار إقتصادياً من خلال الإستيرادات التجارية بل وحتى إستيراد خطوط الطاقة الكهربائية بمبالغ باهضة وصلت العام الحالي الى أكثر من مليار و200 مليون دولار حسب تصريح وزارة الكهرباء الإيرانية وبحجة عدم قدرة العراق على توفير حصص المحافظات بشكل تام, علماً إن التكلفة الكلية لإنشاء محطة توليد الكهرباء الإجمالية لا يتجاوز العشرين مليون دولار, كل ذلك ولا يزال المواطن يعاني من تردي واضح في أبسط مسببات راحته, وصل الأمر الى إصدار الأمر الوزاري بإقتطاع جزء من حصص المحافظات الشمالية المنكوبة لزيادة الحصة الكهربائية للمحافظات الجنوبية, في محاولة واضحة لزيادة تعاسة المواطن في تلك المحافظات رغم ما مرت به من مأساة داعش وتهديم مدن كاملة لا يزال قاطنيها يعالجون جراحهم فيها.

إن ما وصل إليه الفساد في العراق لا يمكن وصفه بالكلمات وحيث إن الحكومة لم تقدم أي جديد نافع أو إعمار واضح للبلاد خلال فترة حكمهم التي تجاوزت العقد من تاريخ العراق الحديث, بل وعلى العكس فرغم ما عاناه العراق خلال فترة الحصار تسعينات القرن الماضي إلا إنه حافظ نوعاً ما على ساعات التشغيل التي وصلت الى 12 ساعة يومياً, بينما عراق اليوم بلا حصار ولا قيود مفروضة عليه تجارياً أو إقتصادياً مع ذلك لا يتنعم المواطن فيه سوى بأقل من 9 ساعات من الكهرباء الوطنية طوال أيام الصيف الخانق أضف لذلك بقية الأزمات ومستوى الخراب الذي وصلت إليه البلاد بعد سنوات طوال من الحرية والديمقراطية المزعومة.

إن هذه المأساة لن تنته حتى يعلن الشعب موقفه من الحكومة بصف واحد رافض لما أصبح عليه حال العراق الجديد.

يتبع