من أخلاق الرسول (ص) العظيمة، أنه كان يعمد الى المزاح أحياناً، فيزيل به ما تراكم من صدأ في القلوب، وشجن في النفوس، كل ذلك رأفةً منه وحنانا بالمسلمين والمسلمات .
وذات يوم جاءته امرأة عجوز تسأله ان يدعو الله لها بدخول الجنّة .
لقد كانت هذه العجوز بليغة في سؤالها للغاية ، ذلك ان الجنّة هي صيغة (منتهى الجموع –كما يقولون ) فلا شيء أغلى منها ، واذا ما دعا لها الرسول (ص) بالجنة ، ودعاؤه مستجاب، حصلت على غاية المرتجى ونالت أقصى المنى .
وهنا أراد الرسول (ص) ان يمازحها :
فقال لها ماؤداه :
ان الجنة لاتدخلها عجوز
وقد وقع هذا القول عليها موقع الصاعقة فاضطربت ، وانصرفت وهي تبكي بدموع ساخنة ..!!
فأمر (ص) ان تُرّد اليه ، وحين عادت قال لها مامؤداه :
انكِ لاتدخلين الجنّة وأنتِ عجوز ، ولكنك تدخلينها شابة .
أوما قرأتِ قول الله تبارك وتعالى :
( إنا أنشأنهن انشاءاً . فجعلناهن أبكارا . عُرُباً أترابا ) الواقعة 35-37
فابتسمت وفرحت وأدركت ولو بعد حين ان الرسول (ص) كان يمازحها
أقول :
بشائر القرآن كثيرة وليست خاصة بالعجائز …
إقرأوا بشارته للمتقين مثلاً
{ الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة }
يونس 63 – 64
وكيف لاتكون لهم البشرى ، وقد عاشوا حياةً نقية من الشوائب، ولم يغب عنهم ذكر الله ، كما ملأت محبتُه قلوبهم ، فأقبلوا عليه بالطاعات والعبادة الخالصة ، فكانوا أكبر من كلّ التحديات الأرضية ، بما شحنتهم به “التقوى” من عزّة ومناعة ،وقدرة على مواجهة صعوبات الحياة ومغرياتها، دون ان يتزحزحوا عن ثوابتهم قيد أنملة .
نعم ان المتقين هم عصارة المؤمنين، فليس كلُّ مؤمنٍ من أهل التقوى ، ولكنّ المتقين هم طليعة المؤمنين .
ومن هنا تجد القرآن الكريم ، يمتدح المتقين ويُثني عليهم :
قال تعالى :
( وإنْ تصبروا وتتَّقوا فان ذلك من عزم الأمور ) آل عمران /186
كما انه – جلت آلاؤه – تعهد بحفظهم وحراستهم حيث قال :
( وإنْ تصبروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئاً ) آل عمران /120
وماذا أكثر من ان يكون المتقون في حفظ الله وحراسته ، يصونهم ويحميهم؟!
ثم انّ المتقين يحظون بمعيّة الله ، ومعيتُه تعني النصر والتأييد
قال تعالى :
(ان الله مع الذين اتقوا )
النحل /128
ثم لايقف الأمر عند هذا الحد، فهناك التعهد الإلهي بنجاه المتقين من الأهوال والشدائد ، مقرونة بالرزق الحلال :
قال تعالى :
” ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرْزُقْه من حيث لايحتسب ” الطلاق 2-3
وأروع ألوان الرزق – كما هو معلوم – الرزق غير المحتسب الذي ينهمر عليك كما ينهمر الغيث فيحيى الأرض الموات …
ومن مزايا المتقين ان الله سبحانه وتعالى يتولى إصلاح اعمالهم كما قال سبحانه :
(ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا . يُصلحْ لكم أعمالكم )
الاحزاب70-71
ثم انه – وهو الكريم الرحيم – يغفر للمتقين ذنوبهم :
قال تعالى :
{ يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلحْ لكم أعمالكم ويغفرْ لكم ذنوبكم }
وهل هناك أمنية للمؤمن أكبر من غفران الذنوب ؟
ومن المزايا التي يتمتع بها المتقون أنهم يحوزون على محبة الله تعالى ومن أحبّه الله ، فقد فاز فوزاً عظيماً لايُعادل باي فوز آخر :
قال تعالى
{ انّ الله يحب المتقين } التوبة /7
ومن جهة أخرى
نقرأ في القرآن قوله تعالى :
{ انما يتقبل الله من المتقين }
وهي بشارة كبرى بقبول أعمالهم والمدار – كما هو معلوم – على القبول .
ثم ان المتقين ينالون التكريم والتقدير والتفضيل
قال تعالى
{ انّ أكرمكم عند الله اتقاكم } الحجرات /13
وانّه سبحانه يكتب للمتقين النجاة من النار
قال تعالى :
{ ثم ننجي الذين اتقوا } مريم /72
وحسبهم هذه النجاة، وساما لايقاس به وسام ،فهو الأمان من كل الأخطار والالام …
واخيراً
فانه سبحانه يدخل المتقين الجنّة .
قال تعالى عن الجنة انها :
{ أُعدّتْ للمتقين }
وهكذا تتوالى على المتقين النعم والبركات والألطاف الإلهية .
ان التدبر في هذه البشائر هو المطلوب من كل أبناء القرآن ، وهو الذي يجعل نفوسهم تواّقة للمسارعة للاصطفاف مع قوافل المتقين الفائزين .