قد يتصور الكثير منا ان تناول اي تجربة من تجارب البلدان التي سبقتنا في الحوكمة الالكترونية، والبدء من حيث انتهى الاخر أمر في غاية الذكاء ولا بد منه، ولكن هذا قد ينطبق في اغلب المشاريع والتجارب المادية غير ان الامر مختلف في الحوكمة الالكترونية ولنرى ما هو الاختلاف.
ان البدء بتنفيذ مشروع الحوكمة الالكترونية أمر يتعلق بثقافة سلوك البشر ونهج المؤسسات (القطاع العام) في تقديم الخدمات للمواطنين وقطاع الاعمال، فالكل يتذكر ان ثقافة السلوك في ثمانينات القرن الماضي تتحدث بضرورة الوقوف في الطوابير والانتظار كي يحصل المواطن على الخدمة المرجوة ،وكأنه ثقافة السلوك هذه يعنى بها المواطن وقطاع الاعمال وحدهما دون (القطاع العام) ومؤسساته ، ولكن في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فان الامر قد اختلف كثيراً واصبحت ثقافة السلوك تعني (القطاع العام) ومؤسسات اي (مقدمي الخدمة) أكثر بكثير من طالب الخدمة سواء مواطنين أو قطاع الاعمال ،ولعل البعض يرى ان عملية الوقوف في الطوابير الطويلة هي حالة من الاذلال التي لا يستحقها مواطنينا بشكل خاص واي طالب خدمة بشكل عام ، وعلى القطاع العام (الخدمات العمومية) أن يذهب هو كي يعرض خدماته على المواطنين وقطاع الاعمال،وهذا ما شاهدناه في اغلب بلدان الخليج العربي حيث ان حكوماتها اعادت طرح نفسها بثوب جديد مرتبط بتكنولوجيا العصر وكيفية تقديم خدمات افضل لمواطنيها ولقطاع الاعمال ،وهذا يعود الى تنبؤها واستشرافها لكيفية الادارة الحديثة ولاحتياجات مواطنيها ، ومن هنا علينا ان نعلم من اين يمكننا البدء بتنفيذ الخطوات الاولى لمشروع الحوكمة الالكترونية، وقد ذكرت في مقالة سابقة ان الحوكمة الالكترونية تتألف من عشرة عناصر لغاية تاريخ كتابة هذه المقالة هي (الشفافية ،والمشاركة ، والعدالة والمساواة ، والفاعلية ، والتكاملية ،والتنبؤ، والموثوقية، والمساءلة، والاتقان الاداري، والخدمة التنظيمية)،
فكوريا الجنوبية التي تعد في المركز الاول في اداء الحوكمة الالكترونية وفق مؤشرات الامم المتحدة لعام 2014 عندما تتحدث عن تجربتها تذكر كيف كانت في نهاية الحرب العالمية الثانية ،وكيف اصبحت اليوم وما الذي تخطط له في المستقبل ، ولعل هذا معيار يجعلنا ان ننطلق من معاناة شعبنا الكبيرة سواء في العقود الاخيرة من القرن الماضي وحتى الآن ، وكيف يمكننا ان نعمل لرفع هذه المعاناة وتذليل كل الصعوبات التي تواجهنا وفق الاسلوب العلمي الحديث الذي يعتمد معايير ومقاييس (لتحقيق الحوكمة الالكترونية في الادارة العمومية) والتي ترتكز على ثلاث عناصر اساسية تشمل :
(التنظيم ، والادارة ، وثقافة السلوك).
فعلينا اولاً اجراء اصلاحات ادارية حقيقية تشمل الهياكل التنظيمية في المؤسسات وبشكل يجعلها اكثر ملاءمة ومرونة للخدمات العصرية والعمل على مبدأ اللامركزية في توزيع الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية المنتخبة ،والتي تعمل على اشباع الحاجات المحلية لمواطنيها ولقطاع الاعمال ، اما الادارة من حيث اعتماد مبدا التفويض والمسؤولية ،وكذلك القيادة الادارية ،والرئاسة الادارية فضلاً عن وضع الستراتيجيات والبرامج اللازمة لتحقيق اهداف المؤسسات بالاضافة الى كيفية معالجة ظاهرة الفساد من خلال ابعاد المفسدين والمقصرين واحالتهم الى القضاء، واتباع ثقافة السلوك في منهاج مؤسساتنا وفق عناصر الحوكمة العشرة آنفاً ،وكذلك توثيق العلاقة مع المواطنين والانضباط في العمل وروح المثابرة والاخلاق المهنية فضلاً عن تعزيز الرقابة الذاتية.