23 ديسمبر، 2024 1:37 م

من المستفيد من عدم تطبيق قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009

من المستفيد من عدم تطبيق قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009

من خلال خبرتي الطويلة بالصحة البيئية، سأسلط الضور على “بعض” مواد قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 التي لم تطبق لحد الآن منذ أن سن القانون عام 2009 ولحد الآن. فقد سن مجلس النواب “قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009” الذي أشار في مقدمته أنه “يهدف إلى حماية وتحسين البيئة من خلال إزالة ومعالجة الضرر الموجود فيها أو الذي يطرأ عليها والحفاظ على الصحة العامة والموارد الطبيعية والتنوع الإحيائي والتراث الثقافي والطبيعي بالتعاون مع الجهات المختصة بما يضمن التنمية المستدامة وتحقيق التعاون الدولي والإقليمي في هذا المجال”. كما سأسلط الضوء في تقريري هذا العديد من الجرائم البيئية (بالعرف الدولي) التي ترتكب اليوم في العراق، إضافة إلى دور المواطن الذي هو السبب الرئيسي في الخلل الذي يصيب التوازن البيئي مما حدا بأن يصبح فيه العراق واحداً من أكثر بلدان العالم إخلالاً بالنظام البيئي والصحي.

فالمفروض أن هدف القانون أعلاه هو حماية وتحسين البيئة من خلال:
إزالة ومعالجة الضرر الموجود فيها، ولكن ماذا قامت به الحكومة ومؤسساتها لتنفيذ ذلك؟ لا شئ على الإطلاق.
الحفاظ على الصحة العامة. وهذه مهزلة أخرى، حيث أصبحت صحة المواطن أسوأ من أي وقت مر به العراق منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى عام 2003.
الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع الإحيائي والتراث الثقافي والطبيعي. وهذه هي الأخرى أصيبت بالشلل التام ولأسوأ ما مر به العراق لغاية اليوم.

ترى لماذا إذاً تسن القوانين في العراق ولا تنفذ من قبل الحكومة ومؤسساتها الرسمية، ومن المستفيد من وراء ذلك؟

فتذكير لبنود وفقرات “قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009” الذي من المفروض أن تنفذ بنوده جميع المؤسسات الحكومية المعنية بتنفيذه، وهي جميع الوزارات بدون إستثناء، وكما وردت في القانون نفسه، وجدت أن أركز اليوم في هذا التقرير على بعض فقرات القانون ومنها “المادة – 13، أولا” حيث يذكر فيها: ” تتولى الجهات المسؤولة عن التربية والتعليم بمراحله المختلفة العمل على إدخال المواد والعلوم البيئية في جميع المراحل الدراسية والعمل على إنشاء وتطوير المعاهد المتخصصة في علوم البيئة لتخريج الملاكات المؤهلة للعمل البيئي بالتنسيق مع وزارة البيئة” .

هذه ليست بمزحة، فالقانون سن عام 2009 ونحن الآن في نهاية عام 2021 ولا زلنا نرى أن هناك آلاف المدارس الطينية في جميع أنحاء العراق، كما لا زلنا نرى إفتقار جميع مدارس العراق إلى مرافق صحية نظيفة، بل لا زلنا نرى أن جميع مدارس العراق تفتقر إلى ماء نظيف صالح للشرب وماء بارد للشرب في عز الصيف الحار وأثناء الإمتحانات على أقل تقدير، الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً على الصحة العامة لطلبة الدارس حيث يمثل هذا الأمر برأيي جريمة بيئية كبرى ترتكبها الحكومة بحق ملايين الطلبة لأنها سلبت منهم واحداً من حقوقهم الإنسانية الصحية المشروعة.

رغم الخلل البيئي الصحي الوارد أعلاه الذي سببه عدم تنفيذ فقرات قانون مهم أقره مجلس النواب منذ عام 2009، يطالب القانون في المادة والفقرة أعلاه ” بإدخال المواد والعلوم البيئية في جميع المراحل الدراسية والعمل على إنشاء وتطوير المعاهد المتخصصة في علوم البيئة لتخريج الملاكات المؤهلة للعمل البيئي بالتنسيق مع وزارة البيئة”… وهنا نسأل ماذا فعلت وزارات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي بخصوص تنفيذ هذه الفقرة المهمة من القانون؟
الجواب: لا شئ على الإطلاق؛ وهذا هو الآخر إخلال متعمد من قبل تلك الوزارتين بقانون أقرته السلطة التشريعية في البلاد. بل هو برأيي المهني جريمة ترتكب بحق شريحة مهمة من المجتمع، ألا وهم طلاب المدارس.

كما وتذكر “المادة – 13، ثانيا” من القانون: “تتولى الجهات المسؤولة عن الإعلام والتوجيه والإرشاد العمل على تعزيز برامج التوعية البيئية في مختلف وسائل الإعلام وتوجيه برامجها العامة والخاصة بشكل يخدم حماية البيئة” .كما ذكرت “الفقرة ثالثا من نفس المادة”: تتولى الجهات المعنية بالثقافة إعداد البرامج وإصدار الكتب والمطبوعات والنشرات التي تهدف إلى تنمية الثقافة البيئية.

وها نحن نرى معكم أن الفقرتين “ثانيا وثالثا” من الماد 13 من هذا القانون أيضا قد تم التغافل عنها ونسيانها تماما لأسباب لا زلنا لا نعرفها، مما أدى ذلك إلى الإخلال الخطير بالنظام الصحي البيئي في العراق.

مما يؤسف له، ومما يحز في نفوسنا كمتخصصين بالصحة البيئية أن التغاضي عن تطبيق مواد هذا القانون المهم من قبل معظم مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارة الصحة والبيئة المعنية بالصحة البيئية في عموم العراق وكذلك أمانة بغداد بإعتبارها مسؤولة عن البيئة في العاصمة بغداد، إضافة إلى رئاسات المحافظات كافة، فإنهم قد إرتكبوا جميعا واحدة من أكبر الجرائم الصحية البيئية التي تمارس بحق المواطن العراقي.

وإضافة لما جاء في المادة 13، كما بينت أعلاه، فإن “المادة 14، أولاً” من هذا القانون قد نصت على ما يلي: “يمنع تصريف أية مخلفات سائلة منزلية أو صناعية أو خدمية أو زراعية إلى الموارد المائية الداخلية السطحية والجوفية أو المجالات البحرية العراقية إلا بعد إجراء المعالجات اللازمة عليها بما يضمن مطابقتها للمواصفات المحددة في التشريعات البيئية الوطنية
والاتفاقيات الدولية “.

وهنا أسأل: لماذا إذاً لا تطبق هذه المادة على من يقومون بتلويث الأنهر بالمياه الثقيلة كما يحدث مع مبزل شمال شرق بغداد (الذي أعتبره أخطر بؤرة بيئية على صحة المواطن في بغداد، بل وعلى جميع العراقيين على إمتداد نهر دجلة وحتى مصبه في شط العرب) والذي تحدثت عنه كثيراً فيما مضى، حيث يعتبر ذلك أكبر جريمة بيئية ترتكبها أمانة بغداد بحق مياه وتربة العراق وقبل كل شئ بحق صحة المواطن العراقي. فمن يتحمل وزر هذه الجريمة؟

سأعود إليكم قريبا لمناقشة مواد أخرى من هذا القانون الذي لم تنفذ مواده وبنوده منذ أقره مجلس النواب في عام 2009 ولحد الآن، وبذلك ترك النظام الصحي البيئي مهملا بل ويزداد سوءأ عاما بعد آخر.

*بروفيسور متخصص بعلمي الفسلجة والعقاقير الطبية، ومستشار بإدارة المؤسسات الصحية وخبير دولي بالصحة البيئية والتغذية العلاجية
[email protected]