الأخطاء .. يرتكبها أفراد وتتحمل نتائجها أمم ، وهذه النتائج غالبا ما تكون مأساوية لمن تقع عليهم أعباء حملها ، وهذه الحقيقة تطالعنا على مر العصور وحقب التاريخ وحتى يومنا هذا ، فجميع الحروب التي اندلعت على الأرض أشعل فتيلها أشخاص ولكن الشعوب هي من احترقت بنارها ، فللحروب مآسٍ عديدة منها الآنية كسقوط القتلى والضحايا ، وما يخلفونه وراءهم من نساء أرامل وأطفال أيتام تقتلهم الحاجات ، فالعائلة تحتاج إلى السكن والقوت ، والأرامل تحتاج إلى ما تحتاج اليه النساء ، والأطفال يحتاجون الى التربية والتوجيه السليم ، ومن هنا تبدأ المآسي اللاحقة التي تؤدي الى سقوط المجتمعات من النواحي الاقتصادية والثقافية والأخلاقية ، حيث يعم الفساد نتيجة التخمة التي تصيب القلة ، والجوع الذي يسحق الأغلبية ويصل بهم أحيانا الى مرحلة العدم . فتبدأ القلة المتخمة باستغلال جوع المعدمين ، وفجأة يتحول المجتمع إلى سوق للنخاسة يباع فيها الجواري والرقيق بأبخس الأثمان تحت قاعدة (العرض والطلب) بأبشع صورها ، ومع انشغال الكبار في صراعهم القائم على أساس الملذات مقابل الحاجات في مناحات موبوءة ، يفقد الصغار من يوجههم إلى الطريق الصحيح ، ويعلمهم التمييز بين الصواب من السلوك الخاطئ ، وهنا يحدث الانقسام في السلوك ، فالبعض يحاول خوض تجربة التعلم والاستكشاف التي قد ينجح فيها وقد يفشل متشبثا ببقايا قيم فتح عينيه فوجدها باقية إمامه ، والبعض الآخر لايكلف نفسه عناء التعلم ، ويجحد ما وجده أمامه من تراث آبائه ، فيتجه إلى الاقتباس من المحيط الذي حوله سواء أكان قريبا أم بعيدا . ولأن الانزلاق أسهل دائما من التسلق والارتقاء ، نرى الكثيرين منهم يميلون إلى ما هو سهل وبمتناول اليد ، فيقتبسون سلبيات الأمور وليس ايجابياتها ، لان البناء يحتاج الى عزم وإرادة لا يمتلكونها ، كما ان العديد من المجتمعات تحرص على تصدير سلبياتها وتتمسك بايجابياتها لدرجة البخل لان في ذلك سبيلاً لتفوقهم وفرض هيمنتهم على الآخرين ، وما دام المجتمع واقفا على ارض هشة تكون السلبيات التي منها القتل والسرقة والانحلال الخلقي واللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية والاهتمام بتوافه الأمور دون مهماتها ، هي الوسيلة الأسهل للكسب والحياة في نظر البعض .
ان كل ما تحدثنا عنه من نتائج لأخطاء شخص او قلة من الأشخاص كانت بيدهم زمام الأمور ، يؤدي الى فقدان الأمان وإراقة الدماء وانتهاك المحارم والأعراض حتى مع وجود القانون الذي يطبق ضمن هذه الأجواء الفاسدة على البعض ولا يطبق على الآخرين وقد يتنازل البعض من القادة ليعترف بما ارتكبه من خطأ ، مجرد اعتراف ، لينبري وعاظ السلاطين والمنتفعين من فتات موائدهم محاولين تبريره بالقول ان الاعتراف بالخطأ فضيلة ، فهل تغني الفضيلة عن المسؤولية شيئا وهل ان مجرد الاعتراف بالخطأ سيصحح الأخطاء ويحقن الدماء التي أريقت او الأرواح التي أزهقت ، هل الاعتراف سيهذب جيلا نشأ على استصواب الخطأ وتخطيء الصواب ، وإذا كانت فضيلة الاعتراف تحتسب لمن اخطأ فماذا سيحتسب لمن تحمل عبء الخطأ ؟ أسئلة عديدة نطرحها أمام هذه النظرية ، ولعل البعض قد أحسن صنعا حين طرح نظريته بطريقة لا تفتح الأبواب أمام التساؤلات والاعتراضات لان نظريتهم قد عالجت جميع الأسئلة التي أثرناها قبل قليل عندما قالوا : من اعترف بذنبه فلا ذنب عليه .
(( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ))