على اجراس انتصارات القوات العراقية المشتركة التي دكت حصون الارهاب في فلك الفلوجة وبدأت دخول المدينة المنكوبة بكل حرص وحذر لحماية اهلي المدينة وعزل الارهابيين عنهم، شرع مجلس النواب باستئناف جلساته المعطلة لقرابة شهرين بالامس في محاولة جديدة لحلحلة الجمود السياسي الجاثم، وسعي الكتل السياسية لمشاركة الانتصارات العسكرية وعدم السماح للعبادي بالفوز بمكاسبها بشكل منفرد.
طلب رئيس الوزراء تأجيل تظاهرات الجمعة المنصرمة جاء كحجر اصاب حفنة من الاهداف في مقدمتها صب جميع الجهود الحكومية وفي مقدمتها العسكرية والاستخباراتية لتحرير الفلوجة، وكذلك سحب البساط من تحت اقدام السياسيين المتعكزين على فقدان امن نوابهم لتعطيل جلسات البرلمان، اضافة الى رفع معنويات الشارع العراقي ومنسوب ثقته بالحكومة الحالية، مع تضييع الفرصة على “المندسين” من تحويل حركة التظاهرات السلمية الهادفة الى أعمال شغب وتخريب، وفوق كل ذلك ليظهر السيد العبادي حكمته وشجاعته وعزمه على تنفيذ وعده باستعادة الفلوجة من ايدي الدواعش كمقدمة لتحرير مدينة الموصل.
ورغم ان جلسة البرلمان ارجأت ليوم الاثنين من دون مناقشة تذكر للمواضيع الساخنة التي تسبب في تعطيل البرلمان وانقسام نوابه الى اصلاحيين ومحافظين وقانونية او عدم اقالة رئيس البرلمان ونوابه… لكن تحقق النصاب جاء خطوة باتجاه امكانية حلحلة الازمات ولو نسبيا، ورمي ثقل المشكلة على عاتق المحكمة الاتحادية لفصل النزاع، مما هون على البرلمانيين عنان السجالات والمناكفات السياسية.
هذا المشهد العراقي الوردي يقابله اهتمام ملحوظ بمؤتمر “المعارضة” العراقية كما يزعم تسميته المنظمون في باريس وعلى رئسهم جمال الضاري رئيس منظمة بافي. ابطاله بقايا من رموز حزب البعث المنحل ومن يدور في فلكهم، ببذخ خليجي على مستوى خمسة نجوم، وعناية فرنسية امريكية غير رسمية. ومع ان كلمة الافتتاح قدمه دومينيك دو فيلبان الرئيس الفرنسي السابق وحضور كل من ديفيد ولدن السيناتور الجمهوري وبرادلي بلاكمان المستشار في ادارة الرئيس بوش اضافة الى كم من عناصر رقيبة من اجهزة مخابرات الدولتين لكنهم لم يحملوا لا صفة ولا تكليف رسمي. غير ان ذلك لا ينفي عدمية الاهتمام الامريكي الفرنسي بهذا المؤتمر وتقييم منطلقاته ورموزه ومدى مقبوليتهم والتفكير به كبديل احتياطي.
كلا مرشحي الرئاسة الامريكي لم يتناولوا الشأن العراقي بشكل واضح وصريح على غرار ما كان يقوم به اوباما اثناء حملته الانتخابية من وعود بسحب القوات الامريكية من العراق والاكتفاء بالمستشارين لطبيعة موقفه الرافض لسياسية بوش العسكرية، مما قد يجعل العراق تحت وصايا ونفوذ المخابرات المركزية الاميركية اكثر منه الى دائرة نفوذ ادارة الرئيس المزمع انتخابه.
العراق ومنذ لحظة سقوط نظام صدام حسين اصبح مسرحا لجميع المخابرات الاقليمية والدولية التي تمارس على ارضه لعبة الصراع القومي والاثني والطائفي بل وحتى بين الهوية الواحدة، بات من الصعب التكهن بمستقبل استقراره ووحدة ترابه حتى وان حقق انتصارات كبرى على فلول الدواعش، لغياب الانسجام السياسي وفشل النظام الديمقراطي في كسب ثقة المواطن العراقين، مما ارهن المصير السياسي للبلد بيد المخابرات الاقليمية والدولية في تقرير مصيره.
فهل ياترى مؤتمر باريس مجرد فقاعة في فضاء مفتوحة… أم أنه نواة لمخطط يستبدل اتفاق لندن واشنطن بباريس واشنطن…؟