22 ديسمبر، 2024 2:13 م

من الصورِ الدلاليَّة للمعاناة الإنسانيَّة في الأدبِ العالمي

من الصورِ الدلاليَّة للمعاناة الإنسانيَّة في الأدبِ العالمي

من الصورِ الدلاليَّة للمعاناة الإنسانيَّة في الأدبِ العالمي.. قراءة في كتاب هموم كافكا.. مقالات مُتَرْجَمة للكاتب والمُتَرْجِم أحمد فاضل
يرى المتخصصون أنَّ التَرْجَمةَ فنّ تواصل معرفيّ مع إبداعِ الآخرين في فنون الشعر والسرد، فضلًا عن كونِها كتابة أدبيَّة ساندة، إلا أنَّها أي التَرْجَمة ذات قواعد مختلفة إجرائيًّا؛ بالنظرِ لأهمية ما يتعلق بهذه المهمةِ من واجبات، والمتمثلة في مسؤوليةِ المُتَرْجِم باعتمادِ الأمانة في عمليةِ نقل المعارف ما بين لغتَين.
وجدتُ من المهمِ تسجيل التوطئة المذكورة بوصفِها مدخلًا مناسبًا للدخولِ إلى فضاءاتِ كتاب المُتَرْجِم والناقد العراقي الأديب أحمد فاضل الموسوم (هموم كافكا).. مقالات مُتَرْجَمة، الصادر عن دارِ أمل في سوريا عام 2017م؛ تعبيرًا عن إعجابي بفكرةِ إعداد الكتاب الذي يُعَدّ بمعاييرِ التأليف من بين النتاجات المميّزة التي تسعى إلى الارتقاءِ بذوقِ المتلقي من خلال تعريفه بآراءٍ ومواقف بالغةَ الأهمية، جهد في كتابتها العديد من الكتاب البارزين في مجال تقويم وتحليل بعض معطيات الأدب العالميّ. ويضاف إلى ذلك اهتمام فاضل بسلامةِ اللغة، إلى جانب بناء الجمل الممتعة التي عكست سلاسة الأسلوب الذي اعتمده في ترجمةِ محتويات كتابه، مستفيدًا من تجربته الواسعة في عالم الثقافة والأدب، وخبرته المتراكمة في ميدانِ التَرْجَمةَ والكتابة والقص والنقد.
لعلَّ أهمّ ما يميز الكتاب موضوع بحثنا، ولا سيمَّا اختياره لموضوعه، هو أنَّه احتوى تدفقًا معرفيًا غنيًا، حيث ضم ما بين طياته تَرْجَمة لباقةِ متنوعة من المقالاتِ الأدبيَّة والثقافيَّة الرصينة التي تمَّ نشرها في صحفٍ ودوريات عالميَّة مشهورة. ويمكن القول إنَّ فاضلَ لم يكتفِ بتَرْجَمةِ العديد مِمَّا تيسر له من المواضيعِ التي أثرت المكتبة الأدبيَّة بنتاجاتٍ حملت في طياتِها ما تباين من أفكارٍ وتأمّلات لمجموعةٍ من الكتاب البارزين في المشهدِ الثقافي العالميّ إلى اللغةِ العربيَّة، بل عمد إلى انتخابِ مجموعةٍ من تراجمه التي بلغت نحو (82) عنوانًا، وجَمَعَها في قناةٍ واحدة، مُقدّمًا للمتلقي أفكارًا لكتابِ تلك المقالات المختارة، وما اكتنفته من معانٍ ورسائل حيال جملة من المؤثراتِ المحيطة بالشخصيَّة الإنسانيَّة، وربطها بمعاناة الشخصيَّة المنتخبة (كافكا)، ووظفَّهَا إبداعيًا، تمهيدًا لإعادةِ إنتاجها مُجتمعة بتوليفةٍ جديدة حملت اسم (هموم كافكا).
يبدو أنَّ سعيَ فاضل وراء البحث المضنى عن مقالاتٍ من الأدب العالميّ، والانكباب على ترجمتها قبل أنْ ينسجَها في نهايةِ المطاف على أشرعةِ الورق، لتخرج بكتابٍ ظهر في المكتباتِ بجماليةٍ وكينونة متميزة، كان الهدف منه محاولة استحضارِ مشتركات الهم الإنسانيّ في ذهنِ القارئ. إذ أنَّه وجد من خلالِ قراءةٍ متأنية واعية أنَّ هناك ترابطًا وثيقًا فيمَّا ضمنه بين صفحات كتابه هذا من مواضيعٍ متباينة الغايات، فثمة إشارات عبرت عن مشاهدٍ عامة للحياة، اتكأت عليها غايات كتابة ما اختار ترجمته من المقالاتِ التي شكلت قاسمها المشترك، والمتمثل بالدلالاتِ التي ترتقي بالحِسِّ الإنسانيّ؛ لإدراك معايير الجمال بدلالاتِ سموّ الفطرة والرّوح الإنسانيَّة. وهو الأمر الذي ساهم في إضفاءِ عنصر التّشويق الذي يتفاعل معه المتلقي بلا ريب، ما يعني حثّ القارئ على تتبّع ما زخر به الكتاب المذكور من رؤى وأفكار ومعلومات مثيرة لاهتمامه.
يُعَدُّ الروائي التشيكي فرانز كافكا (18883 – 1923م) من بين أهمِ الأدباء الذين عُرفوا بمهاراتِهم وقدراتهم الكتابيَّة بأمورِ الأدب في القرنِ العشرين. واللافت للنظرِ أنَّ كافكا، خاض الكثير من المواجهاتِ في حياتِه منذ بداية نشأته في كنفِ أسرةٍ يهوديَّة من الطبقةِ المتوسطة. ولعلَّ أبرز ما ميّزهُ كإنسانٍ في حياته هو معاناته المتأتية مِمَّا جبل عليه من علاقةٍ متوترة مع كل من والديه، والتي كان اضطرابها سببًا في تعاطيه الكحول بشراهةٍ، وصولًا إلى حالة الإِدْمان حتى المرض، إذ كان والده يتميز بشخصيّةٍ قوية، جعلت الحِدَّة غالبة على تعاملِه مع أفرادِ أسرته، فيمَّا عُرفَ عن والدته ربة المنزل انشغالها الدائم بأمورِ بيتها الذي ألزمها تكريس جل وقتها لما يقتضي منزلها من متطلبات، فضلًا عن افتقارها إلى ما يؤهلها لفهمِ وإدراك ما يحلم به طفلها (كافكا)، على الرغم من نشأتها في أسرةٍ عريقة ووجيهة للغاية وذات مستوى ثقافيّ رفيع.
مَا أظنني مبالغًا إنْ قلتُ: إنَّ المعاناةَ العميقة التي خيمت على حياة كافكا الذي ينظر إليه الكثير من الباحثين بوصفِه أحد أعظم الكتاب المعاصرين كانت الفِكرةُ الرئيسةُ التي تمحور حولها كتابُ أحمد فاضل موضوع بحثنا الحالي. وما يؤكد هذه الأهميَّة هو أنَّ المعاناةَ التي بدأت مع طُفولةِ كافكا، واستمرت معه في مختلفِ مراحل حياته، انبثقت منها نتاجات أدبيَّة تجسدت بقصصٍ ورِوايات تكشف لِمن يطلعَ عليها، ويتمعن في صياغتها براعة كافكا في تصويرِ قلق الحياة العصريَّة وعقمها وتعقيداتها، على الرغم من اختلافِ تأويلات وتفسيرات النقاد والباحثين حيالها، حيث ظهرت بعض القراءات النقديَّة التي لا تقر بِمَّا عاشه كافكا من معاناةٍ وخيبات؛ لأنَّ تلك الطروحات محكومة بأفكارِ ورؤى النقاد ذاتهم، إذ أنَّ الأمرَ الذي لا غبار عليه هو أنَّ العامل الرئيس الذي حفز كافكا، ودفعه إلى كتابةِ الرِّوَايَة – بحسبِ الباحثين، ومَّا عثر عليه من رسائلٍ شخصيَّة – كان عيشه أسير أزمة حقيقيَّة، متجسدة بمعاناتِه من صراعٍ داخلي متواصل ومزمن، فضلًا عن أنَّه لم يكن متصالحًا مع نفسه.
من المعلومِ أنَّ حياة كافكا الشخصيَّة تشبعت منذ الطُفولة بأجواءِ القلق والمعاناة الملازمة لهيمنةِ السلطة الأبويَّة عليه، والتي عاش في ظلها، وعانى من تداعياتها. ولست هُنا بصدد الحديث عن حياةِ كافكا، لكن ثيمة هذا الكتاب، تلزمني إضاءة بعض جوانبها – ولو بشكلٍ مكثف جدًا من أجلِ إنارة المتلقي بما أوحى إلى مؤلفه أحمد فاضل انتخاب مضامينه، إذ يكاد يجمع النقاد والباحثين على تأثيرِ والده العميق على حياته وكتاباته؛ بالنظرِ لتقلب مزاجه، وعدم اهتمامه بإبداعِ كافكا الذي كان طفلًا ذكيًا، ومجتهدًا في المدرسة، إلى جانب نبوغه في مدرسةٍ ثانويَّة للنخبةِ الأكاديميَّة والطلاب المتفوقين، والتي عُرفتْ بصرامةِ نظامها، إلا أنَّ ذلك لَمْ يلقَ أيّ اهتمام عند أبٍ جائر. ولعلَّ المذهل في الأمر أنَّ حصوله على احترام معلميه، لَمْ يثنه عن الغضبِ منهم؛ نتيجة سيطرة المدرسة والمعلمين على حياته!.
جدير بالإشارةِ أنَّ حياةَ كافكا تؤكد تعرَّضه لصراعاتٍ شخصيَّة كثيرة في علاقاته العاطفيَّة والإجتماعيَّة، والتي مردها إلى عيشه الكثير من حياته بالقرب من والديه، إذ استمد الكثير من طبيعةِ الحياة في منزلِ أسرته، ولا سيمَّا والده الذي ذكره أحد الكتاب بوصفه: “ضخم وأناني ورجل أعمال متغطرس”، في حين أنَّ (كافكا) كانت لَه رؤية أخرى بشأن سجايا والده، إذ وصفه بإنَّه: “كافكا حقيقي في القوة والصحة والشهية وجهارة الصوت والفصاحة ورضا النفس”. وهو ما يعزز الادراك بطبيعةِ البيئة المنزليَّة التي كان لها أثرًا كبيرًا في تحديدِ هويته الشخصيَّة، الأمر الذي فرض عليه التأثر بشخصيَّة والده، والتي عبر عنها كافكا بالقول: “أنه تأثر تأثيراً عميقاً بشخصية والده الإستبدادية المتطلبة”، فلا عجب من ظهور الشخصيات في أغلب نتاجاته الأدبيَّة بوصفِها محاربة ضد قوةٍ طاغية من نوعٍ ما. وفي السياق ذاته، يشير العديد من الباحثين إلى أنَّ: ” أبطال كتاباته كانوا يحاولون تحطيم إرادة الرجال وتدمير شعورهم بقيمةِ الذات العليا والغرور والتفاخر المبالغ فيه”!.
المحزن في أمرِ كافكا هو أنَّه عاشَ الوحدة بعد أنْ فُجعت عائلته بوفاةِ شقيقين له وهو في عمرٍ لَمْ يتجاوز الست سنوات، بالإضافة إلى كثرةِ غياب والده عن المنزل؛ نتيجة انشغاله بالأعمالِ التجاريَّة. ويروى أنَّ والدته كانت تقضي نحو (12) ساعة عمل يوميًا. ويضاف إلى ذلك العلاقة المتوترة والسيئة التي كانت تربطه بوالده، فضلًا عن نهايته المفجعة بمرضِ السل عن عمرٍ يناهز (40) عامًا بعد فترة وجيزة من انتقاله إلى برلين من أجلِ التركيز على الكتابة. ومن المآسي الإنسانيَّة الأخرى المرتبطة بتاريخِ كافكا – الذي لَمْ يتزوّج أبدًا على الرغم من أنَّه خَطب نساء عدة – هو بعض الأحداث والمواقف المؤلمة التي جرت وقائعها بعد رحيله المبكر في عام 1924م ، والتي في المقدمة منها ضياع شقيقاته الثلاث لاحقًا في معسكراتِ الإبادة التي شيدتها ألمانيا النازية إبان الحرب العالميَّة الثانية خلال الفترة ما بين عامي (1939 – 1945م). وما هو مثار للاستغرابِ والعجب هو أنَّ تاريخه لَمْ يسلم هو الآخر من العبثِ حتى بعد أنْ رحل إلى العالم الآخر، إذ تعرضت كتاباته – التي تبنى نشر معظمها صديقه ماكس برود بعد مماته – إلى الحرق على يد هتلر، ثمَّ مَا لبثَّ أنْ جرى منع أعماله ومصادرتها من حكومات دولِ المنظومة الاشتراكيَّة في القرنِ الماضي، قبل أن تنتهي بالدعمِ والترحيبّ!.
الجهدُ الحثيث الذي بذلهُ أحمد فاضل في كتابه هموم كافكا – ترجمة وإعدادًا – يُعَدّ خطوةً في مسارِ الاستجابة لما تقتضي مهمة تدعيم القيم الإنسانيَّة الموجودة فيمَّا تباين من المُجتمعات بحكمِ ما يمتلكه من الخزين الثقافيّ الذي قاده إلى الإدراك بأنَّ حجمَ المعاناة الإنسانيَّة في بعض تلك المُجتمعات فاق استيعاب العقل، الأمر الذي يملي على الأدباء والكتاب والفنانين ضرورة استجلاء مفاهيم الحُبّ والجمال في الفكرِ الإنسانيّ بشكلٍ أكثر سطوعًا عبر الخوض في مواجهةِ واقع التجربة الإنسانيَّة مع المعاناة. ولمَّا كانت تجربة كافكا في هذا المجالِ عميقةً في النفس، فقد أوحت له فكرة صياغة مسودات كتابه، وإنجازه مستخلصًا من مجموعةِ المقالات التي انكب على ترجمتها ما يمكن أنْ يشكلَ عبرة للإنسانيَّة في ماضيها وحاضرها، واستشرافًا لمستقبلها، إذ عمدَ إلى فرزِ كل ما له صلة بالمعاناةِ الإنسانيَّة في المقالاتِ المذكورة، وأسقطها على معطيات تجربة كافكا الغنية بالهموم، فكان أنْ ولد كتاب (هموم كافكا). ولعلَّ ما يؤكد ما ذهبنا إليه هُنَا، هو ما نسج فاضل في مفتتح لكتابه، وعلى وجهه الخلفي أيضًا من عبارةٍ بليغة، والتي نصها: “عندما نتطلع إلى هموم كافكا نجدها فينا، تتجلى في قصائدنا، ورواياتنا، قصصنا القصيرة وحتى رسوم لوحاتنا. هو ليس لعنة بقدر ما هو امتداد لآلام عمرها آلاف السنوات عكستها أحرف مضمخة بالألم تارة وتارة أخرى بالأمل”.
يمكن الجزم بأنَّ افتتاحَ فاضل فصول كتابه هذا بمقالِ الكاتبة (نينا مارتيرز) الموسوم (هموم كافكا.. الأب، الكتابة، الإدمان، المرض)، والمنشور في موقعِ الراديو الوطني العام الأميركي (npr)، يُعَدُّ اختيارًا صائبًا؛ بالنظرِ لما ضمنت الكاتبة مقالها من معلوماتٍ عن حياة كافكا الشخصيَّة. وقد وجدت من المناسب اقتطاع جزء منه لتعريف المتلقي بما كان يعانيه كافكا قبيل مماته: “توفي نتيجة لمرض السل الذي أصابه بشكل درامي لا يصدق حتى أنه لم يتمكن في أيامه الأخيرة من بلع الطعام والشراب الذي استمتع به طويلا وحتى الماء لم يتمكن من شربه، أصبح هيكلا عظميا لا يستطيع الكلام إلا همسا”.. ص10.
إنَّ مَن يتجول بين صفحات كتاب هموم كافكا، تتسنى له فرصة ثمينة للتعرفِ على بعض آفاق المعرفة المتعلقة بمسارِ الثقافة في العالم بفضلِ تعدد موضوعاته، وما احتواه من أسماءٍ لامعة كثيرة، تركت بصمة مضيئة في ساحةِ الأدب. ففي روايته المصورة الموسومة (الحمار الأبيض)، يؤكد (ماكسيميليان أوريارتي) الذي عمل عسكريًا في سلاحِ مشاة البحرية أثناء الاحتلال الأميركي للعراق، جانبًا من المعاناة الإنسانيَّة على لسانِ أحد أفراد مشاة البحرية الأميركية من خلالِ بحثه عن معنى وجوده في هذه الحرب وفي هذا البلد ليلتقي بضابط شرطة عراقي يتقن الإنجليزيَّة يحكي له شعوره بالاشمئزاز من الشبان الأميركيين الذين يأتون حاملين معهم غطرسة الاحتلال ليعودوا بعدها إلى بلادهم تاركين ورائهم بلدا ممزقا، وكل من قرأ الرواية خاصة من العسكريين انتابهم الشعور بالاغتراب لان الملل من الحرب سيصيبهم وسيبقون ينظرون إلى السلام بين شعوب الأرض بعدما رأوا بأم أعينهم صور المدنيين الذين شوهتهم الحرب وحتى أعز أصدقائهم وقد تناثرت أشلائهم على قارعة الطرق نتيجة القتال.. ص28 – 29.
في صحيفة ديلي اكسبريس اللندنية، كتبت (شارلوت هيثكوت) موضوعًا بعنوان (كتاب الكاتبة الإنجليزية لارافيجيل.. طعم النصر المر في أنقاض الرايخ – محاولة لاعادة بناء أمة ممزقة)، ختمته بالقول: “لارا فيجيل في نهاية كتابها تقف على أعتاب بعض من أهم الأسئلة التي يمكن طرحها اليوم وهو شعور الألمان آنذاك بانهم كانوا على خطأ كبير حينما مشوا وراء النازية وأن الحلفاء حينما مدوا يد المساعدة إليهم كانوا يعلمون بالذنب الكبير الذي كانوا يحملونه فأرادوا نحو حياة جديدة الأخذ بيدهم وإعادة بناء أمة ممزقة ومحاولة لإقامة علاقات دولية ودية بين الجميع، الآن تشعر ألمانيا بأنها استعادت مجدها الفني والأدبي وهي فخورة بذلك ولا تنسى كيف ساعدت الدول التي حاربتها من قبل في كتابة فصل جديد من تاريخها الوطني الحديث”.. ص 37.
في مقالهِا الموسوم (مجلة الشعر الأمريكية تحتفي بمنظمة شق هذه الصخرة)، والمنشور في مجلة شعر الأمريكية، تشير الكاتبة سارة براوننج إلى أنَّ بعض القصائد “تفوح منها رائحة المآسي التاريخية التي يتردد صداها مع كل خسائرنا يوما بعد يوم، فكل قصيدة هنا إذن هي نضال من أجل الخلاص وهي صوت الحب ضد عواء الخوف والكراهية وهي تحدي من أجل هناء الحياة وراحتها”.. ص62.
من المقال الموسوم (الكاتبة الأمريكية هيلين موراليس تناولها المأساة اليونانية وأثرها على الحروب المعاصرة شيء يدعوا إلى الدهشة) الذي حرره الكاتب (ستيغ أبيل)، ونشره في الملحق الأدبي الأسبوعي لصحيفة التايمز اللندنية، نستدل على عمق المعاناة الإنسانية وتجذرها، إذ خلص الكاتب في نهاية مقاله إلى: “هذا الصوت ليس بالضبط نفس الصوت المكتوب منذ آلاف السنين وجرى تشبيهه في الأصل اليوناني، فالسفن الخشبية الكبيرة التي كانت تنقل الجنود في البحر العاصف جاءت شبيهتها الآن سفن مشاة البحرية الأمريكية، لكن الدمار الذي تخلفه الحروب هو نفسه وإن اختلفت تقنياته فهو شامل وأبدي”.. ص 152.
من المؤكد أنَّ هناك صعوبة في الإشارةِ إلى جميعِ المواضيع التي ترقد بين صفحات كتاب هموم كافكا في قراءةٍ مكثفة، إلا أنَّ ما ينبغى التشديد عليه هو أنَّ تلك المقالات على اختلافِ ألوانها وأهدافها ومراميها بسبب تباين رؤى كتابها، ترتكز جميعها على قاسمٍ مشترك، يتمثل هُنَا بالهمومِ والمعاناة الإنسانيَّة التي تّعَدّ في واقعها الموضوعي انعكاسًا للصراع الأزلي بين الخير والشر، إذ أنَّ جميعَ المقالات التي انتخبها فاضل، وعمد إلى ترجمتِها، تنهل حبكتها من مصدرٍ واحد هو معاناة كافكا التي تشكل أحد جوانب الحياة البشريَّة التي بدأت أسيرة التعقيدات والبغضاء والعنف المفرط المرتكز على المصالح الدوليَّة.
من الضروري تعريف القارئ الكريم بسيرة المؤلف الذاتية، والتي يمكن إجمالها بشكلٍ مكثف فِيمَّا يلي من السطور:
الأديب أحمد فاضل كاتب، قاص ومُتَرْجِم، ولد في محلة باب الشيخ البغدادية العريقة عام 1949م، حاصل على دبلوم عالي لغة إنجليزية من الجامعة الأميركية في بيروت، عضو الاتحاد العام للأدباء والكُتاب في العراق، عضو اتحاد كُتاب الانترنت الدولي، أصدر ستة كتب موزعة بين الترجمة والنقد، كتب ونشر في معظم الصحف المحلية وبعض الصحف العربية، وبخاصة جريدة (أخبار الأدب) المصرية، فضلًا عن النشر في عدة مواقع الأدبية الإلكترونية، حصل على العديد من الجوائز من منابر ثقافية عديدة في الخارج وفي الداخل، من بينها مؤسسة المثقف العربي في استراليا، منظمة الكلمة الرائدة في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤسسة النور في السويد وغيرها.
أباركُ للكاتب والمُتَرْجِم الأديب أحمد فاضل هذا السفرِ المعرفي الجميل الذي يخفي في طياته جهدًا نبيلاً مع تمنياتي بدوامِ العطاء الإنساني.
***
عنوان الكتاب: هموم كافكا – مقالات مُتَرْجَمة.
– تأليف الكاتب والمُتَرْجِم العراقي أحمد فاضل.
عدد صفحات الكتاب: (172) صفحة.
الطبعة: الأولى 2017م.
الناشر: دار أمل الجديدة، سوريا.
***