كلما اسمع خبرا جديدا عن النتائج الاولية للانتخابات العراقية تقفز الى مخيلتي قصيدة ( كان لبعضهم حمار وجمل ) للشاعر احمد شوقي والذي يتكلم فيها عن حمار وجمل تحررا من رق صاحبهما وانطلقا ينشدان الحرية , وبعد فترة من المسير التفت الحمار للجمل قائلا بأنه مشيه كله عقيم فلقد نسي مقوده عند صاحبه وعليه الرجوع واخذ المقود كي تستقيم خطواته في سيره نحو حياة الحرية …. فما كان من الجمل إلا ان قال له( سر والزم اخاك الوتدا…. فإنما خلقت كي تقيدا )
يمكن ان لا تعبر هذه القصيدة بشكل دقيق عن الصدمة التي يشعر بها كل عراقي يحترم انسانيته وتوقه للحرية والحياة الكريمة وهو يرى قطعانا بشرية تصوت لشخص كل ما يميزه هو حبه للتسلط والاستئثار بالسلطة حتى وان كان على حساب افتعال الازمات والاقتتال بين مكونات الشعب الواحد .
ان العملية الانتخابية في كل دول العالم يفترض ان تعكس تطلع الشعوب للديمقراطية والحياة الكريمة بعيدا عن صور العبودية , باستثناء الحالة العراقية .. فرغم ان الوضع الديمقراطي الهش الذي يعيشه العراق كان نتاج احتلال امريكي جثم على صدر الشعب سنين عديدة , إلا انه هيئ لوضع سياسي كان بالإمكان بلورته لحالة حقيقية من الديمقراطية , إلا ان العبيد في هذا الشعب تأبى إلا ان تحرز تحت وطأة الدكتاتورية من جديد .
شريحة العبيد هذه بسنتها وشيعتها هي نفسها التي رضخ اجدادها لسلطة حاكم كالحجاج ولووا اعناقهم له , كما رضخوا بعد ذلك لصدام حسين , ورغم ان الاحتلال ازاح صدام حسين إلا انهم وجدوا في المالكي فرصة سانحة للتعبير من جديد عما يعانوه من عقدة الانقياد والركوع لكل من جلس على كرسي الحكم , مع ان الدكتاتورية القادمة تعاني من كل ما في مصطلح الغباء السياسي من معاني .
فعبيد الشيعة يبررون انقيادهم لدكتاتورية المالكي بأنه دفاع عن المذهب ليسكتوا بذلك ترسبات التوق الانساني للحرية في دواخلهم , ويتعاموا عن رؤية حقيقة وجود احزاب كثيرة في الشارع الشيعي يمكن لها ان تدافع عن اهل البيت وشيعته دون سفك دماء الطرف الاخر ودون دكتاتورية , خصوصا وان المراجع الشيعية اظهرت اشارات واضحة لعدم رضاها في انتخاب المالكي من جديد , اما عبيد السنة فمشكلتهم اجل وأعظم فرغم التوجهات الطائفية المتطرفة لدى المالكي , وبناءه لشعبيته على حساب سفك دم المكون السني , إلا انهم يبرروا انقيادهم له بحجة الوحدة الوطنية مع يقينهم بان المالكي ابعد ما يكون عنها , والشواهد على ذلك كثيرة لا مجال لذكرها هنا , ويكفيهم ذلا وهوانا ان الحملة الانتخابية للمالكي لم تأت لا من قريب ولا بعيد لأي حديث عن المكون السني ولم يجهد نفسه بإقامة اي احتفالية انتخابية في اصغر مدينة او قرية سنية , لكن يبدو ان المال والمصالح الشخصية كفيلان بشراء ذمم عبيد المالكي .
ان التوجهات البائسة لهذه الشريحة كانت هي نفسها التي حالت دون قيام هذا الشعب بأي ثورة على مر تاريخه , فكل التغيرات التي طرأت في الانظمة السياسية العراقية كانت اما نتاج غزوات خارجية او انقلابات عسكرية داخلية , بينما خلا التاريخ العراقي من اي حديث عن ثورات شعبية قامت لنيل الحرية , اخر هذه التغيرات كان سقوط نظام صدام حسين عن طريق الاحتلال الامريكي , ويبدو اننا سنحتاج بعد عقود قادمة الى احتلال جديد كي يزيل الدكتاتورية النامية في العراق حاليا …فهنيئا لشعب الهتافات دكتاتورياته المتعاقبة .