القصيدة ..بصرة-2012 “. كما له العديد من المقالات والمتابعات السيسو- ثقافية والمنشورة في بعض الصحف العراقية. يضع الناقد (مسعود) في بداية كتابه “من الأشرعة يتدفق النهـر..” مهاداً نظرياً وتطبيقياً لكتابه يسميه “القراءة”(ص5 -12) ويتألف من أربع فقرات ، في البداية يذكر: “انه ينصب القراءة سلماً وقيماً عاليةً ليعالج عبرها اختلالاً بين بنى الواقع وافق التلقي” ويضيف:”ربما بالطريقة هذه يزداد وعيي سعادة وأنا أثلم مرمدة الوقت ، وهكذا استعين بخرقة حلمي على كوابيس ما أسموه واقعاً، وإذا كانت السعادة تعني مواصلة التغيير فان وعيّ بأهمية التجاوز ، سيكون سعادتي الباكية،من (شدة الفهم)”.وانطلاقاً من حسن النوايا أولاً ، ومن علاقتنا بالزميل مقداد مسعود ثانياً، لا نحبذ له بأن يستخدم ((شدة الفهم)) ليصف قدراته البحثية والقرائية، و التي نثق بها ، وكان عليه أن يترك هذا الحكم لغيره وللمتلقي ثالثاً. ويواصل:” أنه وعبر اللغة أولاً ألج عالم (القصيدة) فلا سبيل إلى معرفة الأشياء ،إلا بتوسط اللغة” حسب (ابن حزم الأندلسي)،الهامش رقم -2- وليس(الأندلسي) الوحيد والفريد في هذا!!. فكل التوجهات البحثية الحديثة تتجه نحو هذا المنحى. ثم يذكر الناقد” مسعود”:” انه ليتم التعايش من دون رؤية سابقة مع القصيدة ويكون التعايش سلمياً، خصب الإنتاج وبالطريقة هذه نظهر القصيدة عبر التكرار الفاعل”- ص5-.ولم يحدد، بحثياً واجرائياً، ما هي معادلة (التكرار)، وكيفيتها ولماذا!؟. في القسم الثاني من المقدمة – ص7- يذكر الناقد(مسعود) أن: “الخطاب الذي أنتج نصوص (الرواد) ، قد: اكتملت منذ مدة لا يستهان بها: دائرته”. ويدرس في الصفحات(13 و111 و125) من الكتاب(نازك الملائكة وبلند الحيدري والبريكان)، وبعد أن قرر” مسعود” (اكتمال الدائرة)النقدية لخطاب الرواد ومنهم (الملائكة والحيدري والبريكان) فلماذا إذن يعاود قراءتهم ثانية في كتابه!؟. أليس في هذا إلغاء لما قرره عن ((اكتمال الدائرة)) وعلى وفق ما أوردنا أعلاه نصاً ، ومن المقدمة ذاتها!؟. وكذلك يعاكس،ثانيةً، ما ذكره آنفاً ، ويقرر:” أن حيوية الحضور الشعري العراقي الذي لم ينقطع بل تدفق عبر تطوير تجربته الشعرية..بدأً بـ((الرواد)) وتواصلاً مع منجزهم الذي لا يزال يشتغل عليه النقد المعاصر” (ص8). إذن ومن خلال قراءته ذاتها نصل إلى إن “الدائرة” التي قال عنها إنها (اكتملت) ” لم تكتمل”، وما ” يزال يشتغل عليها النقد المعاصر”. ونرى إن تلك “الدائرة” و منجزاتها مفتوحة لقراءات أخرى متعددة زمانية – مكانية وعلى وفق مناهج القراءات الحديثة. يفتتح الكاتب المتن النقدي في كتابه بـ” مؤنث القصيدة” (ص13-22) كعنوان رئيس ويلحق به مبحث فرعي آخر هو “ثلاث خطوات.. تجاه نازك الملائكة- 1923- 2007 ” (ص11) ويبدأ البحث بـ” الخطوة الأولى: “طواف حول القمر” ويتألف من أربعة أقسام. في القسم الأول يؤكد: أن قصائد نازك الملائكة في “عاشقة الليل” تقع ضمن المؤتلف الشعري والمتعارف عليه حينها، لكنها في مجموعتها الثانية “شظايا ورماد”، بدأت بالتمرد الشعري وأعلنته على مستويين هما التنظير من خلال المقدمة التي كتبتها لمجموعتها تلك.هذا التنظير حسب ما هو معروف بات نواة أولية لكتابيها النقديين اللذين حمل الأول منهما اسم” قضايا الشعر المعاصر” الصادر عام 1962 والثاني”الصومعة والشرفة الحمراء” الصادر عام 1965. وسنعود لمسألة التنظير بعد ذلك. في التطبيق يشير الكاتب إلى ما كتبه محمد العباس في كتابه/ ضد الذاكرة- شعرية قصيدة النثر- المركز الثقافي العربي- بيروت- ط1/ 2000 / ص 50/ أن” نازك الملائكة كانت: تقترح بنية جديدة للخطاب الشعري واشتغاله الفضائي تقوم على إعادة توزيع البنى الإيقاعية والصوتية والنغمية”. نلاحظ مرة أخرى من خلال المصدر الذي يعود له الناقد(مسعود) و حتى العام2000 أن ((الدائرة لم تكتمل))!!. ويورد “أن د. أحسان عباس رأى أن الشاعرة نازك الملائكة: حين كتبت قصيدة (الكوليرا) لم يدر في بال الشاعرة الملائكة الشابة آنذاك..أنها تكتب القصيدة المخالفة للشعر العمودي”. وحسب الناقد د. عبد الله الغذامي في مقال له نشرته مجلة الأقلام العراقية في منتصف التسعينات:” أن امرأة عراقية خرجت من بيئة محافظة، ونَسبها في المقال إلى مدينة النجف الأشرف، ولست هنا متأكداً من هذا النسب أو عدمه؟. ولكن هذا ما أورده د. الغذامي ، وأضاف في مقاله:” أنها قد (كَسَرتْ)/ نصاً / ظهر الشعر العربي العمودي مذ وضع الخليل بن احمد الفراهيدي قواعده وأوزانه وبحوره،وحتى ما قبله..الخ”. ويتابع الناقد(مسعود) في قسمه الأول قصيدة نازك “الكوليرا” وكذلك قصيدة السياب ” هل كان حباً” ويرى انه “علينا أن ننظر للقصيدتين ضمن الحقبة الزمنية التي كتبت فيهما القصيدتان، لا عن خبراتنا المتراكمة المتواصلة والمتجددة بعد تلك الحقبة التي باتت ماضياً ولكن في محاولة لتبئير وجهات نظرنا ومفاهيمنا النقدية الحديثة دون التنكر لإعلان القصيدة العراقية ، عصيناها كنسق شعري، بالتزامن مع صعود الوعي الثوري- الاجتماعي الذي تصدى للسلطات السياسة في العراق ، وتخصيصاً على مستوى النتاج الشعري العراقي”. وما هذا إلا تحصيل حاصل ومعروف ومن ابسط البديهيات المعرفية. وقد بدأ ذلك العصيان الجديد والمختلف بشكل مغاير للنمط المألوف، “عبر جدلية قانون التراكم وسيحول هذا الكم إلى كيف مغير نوعياً”( ص14). من خلال الإحساس بالوعي الفردي وسيندغم بالوعي الجمعي الذي كان محتدماً وكانت تسعى إليه وتقوده (الطبقة الوسطى) التنويرية بالذات ، واستجاب لهذه الضرورة التاريخية والتوجهات السياسية-الاجتماعية الشاعر بدر شاكر السياب حينها ، ومجموعة واسعة من الانتلجينسيا العراقية والعربية بكل توجهاتها الوطنية، اليسارية، والقومية المنفتحة على الواقع الاجتماعي المحلي والعربي والعالمي ، وكل منهم في مجال اهتمامه سواء أكان شاعراً أم قاصاً أم روائياً أم فناناً تشكيلياً أم مسرحياً أم صحفياً. ويدرس الكاتب في المبحث الثاني “شجرة القمر” المجموعة الشعرية الرابعة لنازك الملائكة. ثم في المبحث الثالث(ص 19 ) يقدم ملاحظات عن “شجرة القمر” التي صدرت بعد(21 )عاماً على صدور “عاشقة الليل” ،وكان يمكن إلحاق هذه الملاحظات ضمن المبحث الثاني لا أن تكون مستقلة ،خاصة أنها تتألف من (6 ) أسطر فقط ، ويذهب في نهاية هذه الأسطر إلى : “أن تجربة الشاعرة أصبحت تتمتع بآماد أوسع وأعمق وأكثر دراية بالوعي الشعري تحديداً”. في الصفحة(24 ) يدرس “عاشقة الليل” بطبعتها الأولى التي قدمت لها شقيقة الشاعرة السيدة “إحسان الملائكة”. سنعود هنا إلى مسألة التنظيرات التي قدمتها نازك الملائكة في كتابيها ” قضايا الشعر المعاصر” و”الصومعة والشرفة الحمراء”. حول هذا الشأن نلفت النظر إلى ما ورد في كتاب الناقد عبد الجبار داود البصري “نازك الملائكة..الشعر والنظرية” / وزارة الإعلام/ مديرية الثقافة العامة – بغداد/ سلسلة كتاب الجماهير/ دار الحرية للطباعة/1971. إذ يؤكد الناقد البصري في الكتاب: أن (نازك) تراجعت شيئاً فشيئاً في ما كتبته لاحقاً عن كل تلك التنظيرات السابقة ، ويقدم (ترسيمة) تتألف من مجموعة من الرؤى والتنظيرات التي قدمتها نازك الملائكة وأخذت بالتراجع عنها حتى تنتهي (الترسمية) بصفر يساوي صفراً ويمكن مراجعة الفصل الأخير من كتاب الناقد البصري ، وبالذات تلك (الترسيمة) التي وضعها في الفصل المعنون/الجـزر/ ص213-239.ونضيف إلى ذلك ما ورد في مقدمة أطروحة الباحث المصري حسن توفيق”بدر شاكر السياب- دراسة فنية وفكرية- إذ يذكر فيها:” شهد عام 1926 ثلاثة من الشعراء في العراق هم: بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري، أما نازك الملائكة فقد سبقت زملاءها في العمر- ولدت عام 1923- وان تكن تخلفت عنهم فنياً- فيما بعد- وخير شاهد على هذا ديوانها الرابع(شجرة القمر) وقصيدتها المطولة التي أسمتها (مأساة الحياة وأغنية الإنسان) ففي هذين الأثرين ارتَدّتْ هذه الشاعرة- التي كانت من الرواد- ارتدادة كبيرة واضحة ، الأمر الذي جعل دواوينها السابقة تبدو أكثر تفتحاً ونضجاً من هذين الأثرين كما جعل زملاءها يتجاوزونها ويتخطونها إلى آفاق شعرية جديدة”- ص5- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- ط1 /أيار- مايو/ 1979. و حيث إن المبحث الأول في “من الأشرعة يتدفق النهر..”هو (مؤنث القصيدة) فـالناقد” مسعود” ينتقل مباشرة للبحث في الصفحة(49) لموضوعٍ بعنوان”بشرى البستاني وتعاضد الدلالة في مكابدات الشجر” ، وهو قراءة في مجموعة الشاعرة بشرى البستاني المعنونة “مكابدات الشجر” الصادرة عام 2002 عن دار الشؤون الثقافية بغداد. هنا تجاوز الكاتب في بحثه هذا حوالي (ستة) عقود ساهمت فيها (مؤنث القصيدة) ،في ضوء عنوان مبحثه الأول، في العطاء الشعري ومنهن ممن حملن راية الريادة الشعرية العراقية الثانية وفي مقدمتهن الشاعرة “لمعية عباس عمارة”، وفي منتصف الخمسينات د.”عاتكة الخزرجى”، و ثمة( صبرية الحسو) بعطائها الشعري وفي الأهم منه(القمر.. وأسوار بغداد) ،و وفية أبو أقلام ، وغيرهن ، وينتقل بعد ذلك إلى ما يطلق عليه في المقدمة بـ (فجر الحرية) ويدرس فقط الشاعرة(بلقيس خالد)ص-61- ونحن هنا لا نبخس حرية اختياره في ما يتناسب مع دراسته ،ولا حق الشاعرة ” بلقيس خالد” في قراءته لمجموعتها(بقية شمعة..قمري)بصفتها(هايكو عراقي)، والذي لا تراث له يعتد به في الخارطة الشعرية العراقية – العربية، وقد وصلنا عن طريق الترجمة وتلاقح ثقافتنا،الشعرية ، مع الثقافات العالمية المعنية في هذا الشأن ، لكننا نراه تجاوزاً على عقود أخرى قدمت فيها(مؤنث القصيدة)، حسب العنوان، عطاءات شعرية متواصلة، وسجلن منجزاً شعرياً أنثوياً عراقياً ، وفي مقدمتهن الشاعرة”آمال الزهاوي” التي بدأت بالنشر،خلال منتصف الستينات، في مجلة (الآداب) اللبنانية والصحف والدوريات العراقية والعربية وكذلك مجلة (الكلمة) العراقية ، وكانت من الأصوات الشعرية، الأنثوية، العراقية الملفتة للنظر ،حسب النقاد العرب والعراقيين. وحتى ما قبل (فجر الحرية) فثمة شاعرات منهن: سهام جبار ، ولهيب عبد الخالق ، ورسمية محيبس زاير، ورنا جعفر ياسين ، ودنيا ميخائيل، وريم قيس كبة، وأمل الجبوري ، والمغدورة أطوار بهجت،وغيرهن.وقد شردت المنافي بعض الشاعرات العراقيات ووصلت أصواتهن لنا بعد (فجر الحرية) و منهن: نجاة عبد الله ، و نضال القاضي وماجدة غضبان المشلب، وآمال كاشف الغطاء ، ووفاء عبد الرزاق ، ووفاء الربيعي،وبلقيس حميد حسن وسوسن السوداني ، وغيرهن . أما داخل العراق فثمة الشاعرات فليحة حسن، وناهضة ستار، وسمرقند الجابري ونادية جبار وهنادي جليل وحسينة بنيان وغرام الربيعي، وآمنة عبد العزيز ..الخ. وفي البصرة ،خلال نهاية الستينات و السبعينات، ثمة زهور دكسن، ورشيدة العكيلي، والراحلة نهال حسن العبيدي، وأخريات. وبعد (فجر الحرية) إيمان الفحام، و الراحلة ساجدة العبادي، وزينب الكعبي، والهام ناصر الزبيدي، و الشاعرة المثابرة بلقيس خالد .. ونعتقد بان الناقد ” مقداد مسعود” ، يمكن أن يخص”مؤنث القصيدة”، بكتابٍ خاصٍ يتناول فيه (الشعر الأنثوي) العراقي، ونثق انه يملك العدة البحثية والدأب في هذا الشأن. كما يحتوي “من الأشرعة يتدفق النهر..” على دراسات عن عدد من شعراء العراق المعاصرين. اكتفينا بقراءة المقدمة والمبحث الأول،فقط، من كتاب الناقد والشاعر “مقداد مسعود” ونؤكد بان جهده في :” من الأشرعة يتدفق النهر..” يبقى مفتوحاً على قراءات أخرى، من المؤكد والطبيعي، أنها ستفترق عن قراءتنا هذه.
*طبع: دار الشؤون الثقافية العامة / وزارة الثقافة- بغداد/ط1- 2013 /الغلاف: وسام عامر.