23 ديسمبر، 2024 12:44 ص

من احلام ابن الخياطة….

من احلام ابن الخياطة….

( من القصص القريبة من الواقع العراقي )
الجزء الثالث والاخير
هنا اضطر الابن الاكبر عماد لتأجيل دراسته سنة كاملة ليقوم بالعمل لمساعدة والده في مصروف العائلة فاضطر للعمل في القطاع الخاص في احد المكاتب التجارية لدى والد احد اصدقائه الذي تعرف عليه في الكلية في بداية المشوار قبل ان يؤجل الدراسة فيها وكان والد صديقه بحاجة لمحاسب لإدارة حساباته التجارية في مكتبه الكائن في منطقة الصناعة القديمة والتي انتعش سوقها في ظروف ذلك الحصار الجائر كونها تعتبر محطة نقل وبيع البضائع بين دول الجوار واقليم كردستان وبين العاصمة بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية…
عمل عماد في مكتب والد صديقه ولكن امله معلق في كليته لنيل الشهادة رغم انها لم تعادل اي قيمة من النواحي المادية ولكنها تبقى شهادة اكاديمية ويأتي لها الدور في المستقبل…وما ان بدأ العام الدراسي الجديد حتى عرض عليه والد صديقه الذي يعمل عنده فكرة العمل بعد نهاية الدوام الجامعي وهذا ما فرح به عماد كثيرا كونه سوف يبقى يمتلك وارد مادي اضافة الى الاستمرارية بدراسته واستمر الحال هكذا الى ان انهى الدراسة الجامعية ولكن بعد ستة سنوات شاقة جدا وصعبه لم يستطيع ان يخلد للنوم فيها سوى خمسة ساعات واقل يوميا… ولكنها الحياة ومعتركاتها ومفارقات طرقها ومن طلب العلا سهر الليالي.. تخرج عماد مهندس مدني من كلية الهندسة ولكنه ابقى على عمله في المكتب التجاري الذي يعمل به واستمر الحال به الى عام 2003 ولم يطرأ شي جديد سوى زواجه من طالبة كانت معه في الكلية والتي تخرجت وتحولت الى ربة منزل لكون الوظيفة اصبحت من دون جدوى وراتب المهندس في الدولة لا يعادل ثلاث او اربع دولارات.. وهذا ما وضع اغلب الشباب والخريجين للتفكير في الهجرة خارج البلاد من اجل العمل واعانة عوائلهم في المعيشة….
وفي عام 2003 وبعد الغزو الامريكي للعراق والتغيير للنظام السياسي في العراق تم قبول زوجته كمعيدة في كلية الهندسة اما هو فلقد تم حصوله على وظيفة في احد وزارات الدولة وفي احدى الشركات الحكومية واستطاع بعد سنتان من العمل التقديم للدراسة للحصول على شهادة الماجستير وتم الحصول عليها وبتوفيق من الله وبعد خمسة سنوات تم حصوله على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية وبما ان الظروف السياسية التي يمر بها العراق من نظام المحاصصة في الوظائف العامة وترشيح حكومات تكنوقراط حسب ماتدعي به الطبقات السياسية ولكفائته العلمية فلقد تم ترشيحه لمنصب مدير عام لأحدى الشركات في القطاع الحكومي وفي اول يوم من استلامه مهامه الجديدة اصطحب والده العامل المتقاعد حاليا الى وظيفته الجديدة وهو يذكره بلحظات تاريخية قبل اكثر من ثلاثة عقود زمنية عندما اصطحبه الى معمل النسيج عندما تم تعيينه كعامل حدائق هناك بفضل الاستاذ حسن الذي استشهد بحادث سيارة مفخخة انفجرت اثناء مروره قرب احد الاسواق وادى الانفجار الى استشهاده مع عائلته جميعاً
والذين كانوا معه في سيارتهم الخاصة ذاهبين للتسوق لشراء ملابس ليلة عيد الفطر المبارك وكانوا جميعا صائمون نسأل الله ان يتقبلهم مع الشهداء والصديقين….
عندها قال الاستاذ عماد لوالده اليوم اشعر وكأنني ولدت من جديد وانا ارى الفرحة في عيونكم انت ووالدتي واخوتي جميعا وسبحان الله الذي نعيش بفضله دائما وتتذكر ياوالدي عندما جئنا من القرية وانا ابكي واريد ان ابقى هناك مع ابناء عمومتي لأكون راعيا للأغنام عندما همس باذني احد كبار السن هناك واتذكر ما قاله لي بالحرف الواحد هناك في المدينة سوف تكون حياتكم افضل.. ولكن تعلقي بالريف كان هو سبب ميلي لأبقى هناك…واتذكر معلم التربية الفنية الذي سألنا في الصف الرابع الابتدائي عن مستقبلنا ودون معرفة اجابتي وامنيتي في المستقبل قال ماذا يكون مستقبل طالب امه خياطة وابوه عامل حدائق..واتمنى اليوم ان يسمع بأخباري حتى يغير نظرته تجاه ابناء الطبقات الكادحة عموماً… وها انا اليوم استطيع ان اخدم اهلي وابناء مجتمعي من خلال عملي رغم انني اعرف انني سوف اواجه صعوبات في العمل ولكنني استطعت تحقيق بعض الاحلام رغم الظروف الصعبة… هنا قال له والده تذكر ياعماد كلما فتحت نافذة غرفتك المطلة على الحدائق ان اباك كان احد الذين يزرعون الورد في تلك الحدائق اما اليوم فإنني زرعت من خلالك المدير العام داخل هذه الشركة واتمنى ان تكون زراعتي للاثنان متساوية فالورد يشمه الناس من خلال عطره والانسان تشم رائحته من اعماله الطيبة فكن كالزهور دوما تعطي للناس العطر الطيب….
تلك قصة من قصص ابناء الشعب العراقي وصبره وجهاده رغم كل الظروف العاديات ولكنهم شعب لا يعرف المستحيل ابدا. وكأن الله اختارهم من معادن خاصة للظروف الصعبة فقط….