في الحياة العامة، لا توجد حرمة يقر بها الجميع، كحرمة المال العام. تقرها كل الشرائع، ومختلف العقائد، والرؤى الفكرية، الروحية منها، والوضعية. إنه مال مشترك للمجتمع.لجميع فئات الشعب، بمختلف صنوفه. تكاد تكون له قدسية أخلاقية، قبل أي إعتبار. فهو، للغني، وللفقير، ولو إن حاجة الفقير للمال العام، أكثر بكثير من حاجة الغني. ورغم ذلكفالغني يبحث عن فرصته عادلة من المال العام، وهي مختلفة، لانها بالنسبة اليه، وظيفة إقتصادية. كقروض مصرفية ، أو إئتمانات من البنوك، أو تسهيلات، أو غيرها، ممن توفرهاالدولة للغني. والمقصود بالغني، ما يسمون أصحاب رؤوس الأموال، أو ما يطلق عليهم القطاع الخاص. والغني، لكي ينمي إستثماراته، فإنه يحتاج لما يقدمه المال العام له منخدمة، فينتفع هو في زيادة رأس ماله، وينفع الناس، فتتحول الى وظيفة إجتماعية، من خلال المشاريع الإنمائية التي يقوم بها، والتي توفر فرص عمل للعامة من الشعب، فَيَثْري،ويُثْري. يتطور، ويطور. أما أبناء الشعب، وخاصة الطبقة الفقيرة، والطبقة الوسطى، فإن المال العام، يوفر لها، التعليم المجاني لإبنائها، والتطبيب، والرعاية الإجتماعية للذين تحتخط الفقر، وفرص العمل للقادرين عليه، وفق مبدأ الكفاية والعدل. والمال العام، ينفق في مشاريع الخدمات العامة، والبنى التحتية، ورفع مستوى التعليم، وبناء المدارس،والجامعات، وتمتين الإقتصاد، وتطوير الزراعة، وتشييد الصناعة، وتوسيع شبكة الطرق، والمواصلات، ورعاية الطفولة، وتعزيز قدرات البلاد، في مختلف القطاعات. أي إن المالالعام يصرف لتطوير البلاد، وإسعاد الناس، ورفع مستواها، وتعزيز قدراتها، فيرتفع دخلها، وترتفع مكانة البلد. وليس هناك وظيفة للمال العام غير هذه الوظيفة. ولكي يحافظ علىالمال العام، وعدم هدره، فإن الدولة، تسعى الى تقوية الشعور، لدى العاملين عليه، بالحرص، والأمانة، ووضع من هم مؤتمنون عليه، ممن يتسمون بنظافة اليد، وعفة النفس، ” شهدالعراق كثير منهم ، في العصر الحديث”، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، توضع، لذلك، القوانين الصارمة، وتُشدد الرقابة، لحمايته، من السراق، والمختلسين، والمتهتكين، من عديميالشرف، والضمير.
إذن، هذه هي وظيفة المال العام. والعراق طيله عمره، الضارب في القدم، يقال عنه بلد غني، تتوفر لديه ثروات متنوعة. فمالذي يجعل من أبناءه في فاقة، وعوز. ومالذي يدفعهم الىالتطلع الى مساعدات الغير. ومَن يخلق مثل هذه الفروقات بينهم، وبمستويات متباينة جداً. ليس إلا وجود من يعبث البعض في المال العام، فينتهك قوانينه، التي كان يحتمي بها،وتسن قوانين أخرى، يطلق بها يده، للوصول الى المال العام، فينتهكه، ويعبث به، ويحور لنفسه، أو لجماعته، أو يخص به فئته. بطرق غير مشروعة، أو غير مشرعنة، تنتهي جميعهابسرق المال العام. والملفت، إن سارق المال العام، كان يتوارى عن الجميع بفعلته، فلا يجاهر بها، ويحجب ما يسرقه عن معارفه، وعن أهل بيته. الآن، لا أحد يبالي. يقول أحدالسياسيين؛ إن سرقة المال العام، أصبح ثقافة، يعتز بها السارق، فيجاهر بذلك، ويلق التشجيع. والسرقة أنواع، فعندما يسن قانون، غير عادل، يميّز بين المواطنيين، ويثير التناحربينهم، يعط الحق للمستفيد أن يجمع بين راتب الوظيفة التي يشغلها الآن، وراتب تقاعدي آخر، فليس في ذلك، سوى سرقة المال العام. وعندما يقر رأس الدولة بوجود “فضائيتين”وهذا إصطلاح يعني رواتب لموظفين وهميين، غير موجودين، إنما يقر في ذلك بسرقة المال العام، أو أن يرسم مشروع على الورق، لتخصص له أموال، تقر، ثم يختفي المشروع،والمال، هذا سرقة للمال العام. أو أن يعلن رأس حكومة أن خصص، كذا مليار من الدولارات، للقطاع الفلاني، ويعدد القطاعات، ويرد عليه خلفه، اين ذهبت، فهو لا يدري، هذاسرقة للمال العام. وإفلات من المسائلة. وضياع لحقوق الناس. هذه حالات لمئات الألاف من الأمثلة لسرقة المال العام، ولإنتهاكات قدسيته، وحرمته.
يقول أحد السياسيين في الإعلام، ودون أدني مواربة، بأن السياسيين من أعلى القمة، الى الأسفل، متورطون بالفساد، وبنهب المال العام. ويقول آخر للإعلام أيضاً، إن جميعالسياسيين، المتصدرين للمشهد، بما فيهم، هو المتحدث، قد رتبوا أوضاعهم، وأوضاع عوائلهم .