23 ديسمبر، 2024 1:18 ص

من أوراقي …كرامة امرأة ..

من أوراقي …كرامة امرأة ..

في بداية حياتي المهنية ..تم تكليفي لإجراء مقابلة مع امرأة قامت بقتل (ضرتها ). .وبخطوات بطيئة ومترددة اقتربت من مركز الشرطة الذي احتجزت فيه المرأة ..حين دخلت شعرت بأن الهواء بدأ ينفذ من تلك الساحة الدائرية المكشوفة والمكسوة بحجر وتتوزع حولها غرف متعددة احدها للضابط مسؤول المركز …رحب بي …سألني : هل تودين الانفراد بها ام احضر معكم ؟ فكرت لبرهة وقلت : لا سألتقي بها بمفردي لكن دع الباب مفتوح .

أردت أن تشعر هي بعدم التقيد فيما لو قررت التكلم معي ..ولابد أن أسيطر انا على خوفي ..وهواجسي وتصوراتي …

جلست في إحدى الغرف انتظرها …كانت هناك عدة مقاعد متناثرة ومروحة سقفية تأن ببطء لتنشر هواء منعشا في يوم ربيعي ، تنفست بعمق ….تخيلتها تدخل أمراة ضخمة الجثة ..بوجه عابس . مسود …وحواجب مقطبة ..وربما هناك قطرات من الدم على ثيابها …قفزت من مقعدي وانتقلت الى مقعد أخر بجانب باب الغرفة كي اكون مستعدة للفرار في حال حدوث ما لايحمد عقباه ..دقائق ثقيلة قضيتها وحدي في تلك الغرفة التي وضعت لها في مخيلتي مخارج للطوارئ والهروب الفوري .

سمعت خطوات تقترب من باب الغرفة ..وقفت ..دخل شرطي ومعه امرأة ملتفة بالسواد نحيلة مطرقة الوجه متوسطة القامة ..جلست هي وجلست أنا أمامها رفعت وجهها..عينان غائرتان في وجه يتميز بلفحة سمار محببة ..

نظرت ألي ، اكتشفت خوفي قالت :

* لا تخافي مني فلست قاتلة …كل مافي الأمر ثرت لكرامتي

قلت : كيف ؟

قالت بصوت هادئ : تزوجته قبل بلوغي تحملت فقره وبخله ، عملت معه في الأرض كفلاحة رغم أني من المدينة أنجبت له ثمانية أولاد …جاء يوما قال لي سأتزوج امرأة شابة أنتي أصبحت عجوز ، قلت له على أن لا تقترب من ارضي و ما املك من أبقار وأغنام لانها مصدر عيش لي ولأولادي . وتزوج …وبعد أيام بدأ يذلني أمام أولادي وأمامها ، يضربني يأخذ مالي ..يجبرني على خدمتها رغم كبر سني …اقترح عليه أولادي الانتقال الى منزل منفرد لكنه رفض ، واستمرت الحالة لأكثر من سنة …ثم فاجئني بطلبه أن اذهب الى أهلي واترك بيتي وأولادي قلت له ..ليس لي أهل ماتوا كلهم ..قال (دبري نفسك )…وبدأ يضربني بوحشية خشيت على أولادي أن يقوم احدهم بضربه أثناء هذه العملية الشبه يومية …فكرت

وقررت التخلص من أساس المشكلة … دخلت الى غرفتها وخنقتها وهي نائمة .

سألتها : لماذا لم تفكري بقتل زوجك بدل الزوجة الثانية ؟ قالت : في هذه الحالة سيبقى أولادي أيتام أنا اعدم ووالدهم يموت .

خرجت من تلك الغرفة ….والأسئلة تحتل رأسي ..من هو المذنب هنا الزوج ؟ الزوجة الثانية ؟ أم الأولى ؟ أم المجتمع ؟

امرأة ثارت لكرامتها ..بطريقتها الخاصة .. مخطئة أم مصيبة ….ليس هذا ما ننقاشه لأنها تلقت عقابها الشرعي والقانوني .

لكن ….لماذا يحاول الرجل الانتقاص من كرامة امرأة ؟ هل لسد نقص في داخله ؟ هل يعاني من أمراض نفسية ؟ هل يشعر برجولته ؟

هل تملكه الجهل والتخلف حد النخاع . ؟ ربما كل هذه الأسباب مجتمعة . .وهذا ما أراه كل يوم في حالات واقعية ، لمحاولات مستمرة للانتقاص من إنسانية المرأة ، وأشعارها بأنها كائن من الدرجة العاشرة .