19 ديسمبر، 2024 1:42 ص

ذهل العالم والمجتمع الأردني بوجه خاص بالمشهد الذي بثته داعش عن عملية إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة ، ذلك المشهد الذي اعد بإحكام وبحرفة هوليودية تكاملت فيه كل أركان العمل الفني ، من سيناريو إلى إخراج وتصوير وسينوغرافية ، لم تعهدها الأشرطة السابقة التي تبث من قبل الجماعات المتطرفة ، وهذا بحد ذاته يثير علامات استفهام كثيرة حول المغزى من هذا الفعل الذي قامت به داعش ، وما سر هذه التقنية الفنية المتطورة التي اعتمدتها في تصوير هذا الشريط … يمثل  هذا العمل  بوحشيته جزء من سياسية ( إدارة التوحش ) .. التي تعد من أبجديات هذه الجماعات ، والخطوة الأولى التي تنتهجها  للسيطرة على الآخرين من خلال بث الرعب في قلوبهم ، وافتراس الضحية وهي في حالة  الصدمة ،  وقد مارست مثل هذه الأعمال بصورة كبيرة في العراق وسوريا ، ولم تأخذ حيز الاستنكار والشجب من قبل المجتمع الدولي أو العالم الإسلامي ، كما نالته هذه الجريمة ، والسبب واضح وجلي لكل متتبع للإحداث الجارية الآن في عالمنا العربي والإسلامي ، فالإعلام الغربي  يصور لجمهوره على إن هذه الأعمال تمثل حالة من الصراع الطائفي بين مكونات المجتمعين العراقي والسوري ، والعالم الإسلامي يصمت بدوافع أثنية وطائفية عن مثل هكذا جرائم كانت ولا زالت ترتكب ، لكن الاختلاف هنا إن من تم قتله بهذه الطريقة الوحشية ، ينتمي لمجتمع تربطه بداعش أواصر عقائدية ووحدة المذهب ، وهناك طيف واسع منه متعاطف معها ، ويعتبر ما تقوم به جهادا وإحياء لسيرة الصحابة الأوائل …
فما الذي دعا داعش للقيام بهذا العمل العدائي والوحشي الصارخ اتجاه أبناء جلدتها ، بالرغم من عدم امتلاكها   لمخرج شرعي له ، كآية قرآنية أو حديث نبوي ، ولجوئها لإسناد عملها هذا إلى  روايات ضبابية ، مثل حرق أبو بكر الصديق لجنديين من جنود جيش خالد ابن الوليد لممارستهم الرذيلة ، أو قول ابن تيمية بجواز التمثيل بالأشخاص أذا كان هذا العمل يصب في خدمة الدين  … اعتقد إن ما حدث كان خارج حساباتها وطبيعة تحركها على الأرض ، وهو محاولة لسلب داعش قاعدتها الجماهيرية المتعاطفة معها ، وقلب الطاولة عليها على الأقل في الأردن بلد هذا الطيار ، تقف ورائها   دوائر المخابرات الدولية والإقليمية المتغلغلة في هذا التنظيم والمخترقة له ، وأن هذه الجريمة ستعمل على إيقاف  زحف داعش إلى بلدان أخرى في المنطقة ، وبداية لحرق ورقتها وانتهاء لأسطورتها  ومرحلتها ودورها الذي رسم لها من قبل أمريكا والغرب ، بعد أن تخلف  ورائها في العراق وسورية من الدمار والبؤس وتراجع اقتصادي وشرخ مجتمعي كافيان لان يتركا هذين البلدين في حالة إغماء لخمسين سنة قادمة  … وان الشرارة التي انطلقت من تلك الشعلة البدائية التي حملها احد ملثميها لحرق الطيار الأردني ، ستكون حمم بركان ثائرة ستقذف بداعش بعيدا عن المنطقة  ، وتنهي وجوده فيها … فمن احرق من ..؟ .

أحدث المقالات

أحدث المقالات