19 ديسمبر، 2024 3:36 ص

من أجل سطوع الذهب للشاعر فضل خلف جبر – تجريب على ثنائية التجديد والأصالة

من أجل سطوع الذهب للشاعر فضل خلف جبر – تجريب على ثنائية التجديد والأصالة

صدر مؤخرا ً للشاعر العراقي المغترب فضل خلف جبر مجموعة شعرية جديدة بعنوان ( من أجل سطوع الذهب ) وتضم المجموعة 44 قصيدة من القطع الكبير ، وتختلف موضوعات القصائد بإختلاف الفترة الزمنية التي شهدت ولادتها فالقصائد التي  كتبها الشاعر ما قبل عام 2003 .
إختلفت في طرحها من حيث الشكل والمضمون ، طافت في رحاب ذاكرة مزدحمة بذكريات أصدقائه الشعراء أمثال ( عدنان الصائغ ، عبد الرزاق الربيعي ، جواد الحطاب ) ، أما السواد الأعظم من الديوان المذكور فهو يتمحمور في موضوعات شتى من واقع الحياة اليومي المشحون بمختلف الصراعات التي تتبدى صورها بمثابة إلتقاطات دقيقة تمسك الصورة الشعرية بتلابيبها لتمنحها طاقة تأويلية تنساب عبر نظامها الدلالي .
حين إنتهى من ترتيب أولوياته ،
حمل المهاجر ُ حقيبته وإنطلق عابرا ً:
الوجوه والدموع والنشيج
الدعاء المر والصلاة الراجفة
العناق لم يرد أن ينتهي
الشهقة التي كادت أن تدمر هيكل الحلم   ( ص27 من  قصيدة أولويات مهاجر )
على الرغم من تنوع موضوعات الديوان إلا أن الهم العراقي بخصوصيته كان حاضرا ً في السواد الأعظم من القصائد وبصوره المختلفة فالشاعر حاول التعبير عن الواقع العراقي بتجليات خرافيته ، وإزاء خرافية هذا الواقع يسجل الشاعر تمرده بخوضه مغامرة شديدة الصعوبة وتجربة نقدية بالغة الإشكالية ومحرضة على فتح الكثير من النقاشات والإستفهامات ولأن الشاعر ينتمي لجيل الثمانيات ذلك الجيل الذي شهد فصول عنف ٍ طويلة بسبب الحروب والحصار ، فأنه جيل لا يهادن ولا يقف على الحياد في تصوير شريط الأحداث الممتد بين ثنايا ذاكرة ضاجة  بصور تلك الأحداث العاتية لذا فهو لا يكتفي بالتوصيف وإنما يقف ويصنف ويحاكم ويمارس النقد كما في قصيدة
(باربكيوص22 )
يعلو الضحك والعفاط والغبار
يعلو الكذب والأست والغائط
يعلو الدولار والبتاع والذل
يعلو التبن والتفسخ والعفونة
تعلو القمامة والنفط والكروش
وينخفض الرأس والدينار والجمال !
وإستطاعت قصيدة الشاعر فضل أن تحلق في فضاء ات الحداثة ، فبصمة الشاعر واضحة وهو يجرب في بناء أنساق القصيدة وهيكلها المعماري  ومادتها الفكرية وأساليب بيانه والتراكيب اللغوية المتينة والمعبرة عن طرحه الجمالي يمكنه القول أن الشاعر يعي جيدا ً ما يقوم به من محاولات تجريب حداثوي قائم على تنويعات تقنية ، والحداثة لديه لا تستدعي الكثير لإستقراء أقنعة النص في جميع مراميه ، من خلال شعرية النص وتنوع مكونات الخطاب الشعري وتعدد وحداته اللغوية والدلالية ، وإتسمت أنساق قصيدته وهي تعبرعن خراب حقيقي طال العراق في إختراق الدال اللغوي وتكثيف الإيقاع من خلال رمزية الكلمة وإنسجام الصوت والمعنى .
هؤلاء المارون على رصيف العراق
هؤلاء الراقصون على جراحه الدامية
يوما ما سيعضون أصابع الندم
لأنهم لم يحفظوا كرامة َ وطن
خرج َ العالم ُ كله ُ
من جيبٍ  صغير ٍ
في معطف ِ كبريائه الفضفاض
ولأن الحداثة رؤية كونية لا تنحسر في أبعاد محددة بل تتجاوزها إلى كينونة الرفض والإختلاف ، ينهض المعنى الجوهري لهذا المصطلح على أساس معياري يقوم على تعارض الصيغ الحديثة مع كل ما هو تقليدي وتخطي مساره ، وشاعرنا فضل الذي ركب موجة الحداثة مبكرا ً ، وهو يمضي في مسار الأنساق الكبرى للحداثة الشعرية أي نسق الرؤية بالمفهوم الفلسفي ، فهو يحاول تجديد المعجم الشعري من خلال إختيار مفرداته ، وقد تمظهر المشروع الحداثي لدى الشاعر من الناحية الأسلوبية تمظهرا ً وظيفيا ً إرتبط بمدى قدرتها على التعبير عن روح العصر الجديد وتحديث الحساسية الجمالية ، ويندرج ذلك في إطار الإستجابة المتفاعلة مع موجة التعاطي الواقعية للمتغيرات الجديدة التي تفرزها ماكنة  العولمة 
 Western Union بنك سأبعث ُ للأولاد مصروفا ً عن طريق   
 وسأرسل ُ لك وثيقة َ الطلاق ِ كمرفق ٍ في إيميل آخر
لأن الهنود َ لا يريدون تزويج َ بنتهم من رجل ٍ متزوج ٍ
لن أدفع لك ِ نفقة ً ولو طلعت روحُك
Pay Pal وإعلمي أنني صفيّتُ حسابي في
 وغيّرت ُ رقم الموبايل
يعني : إنتهى كل شيء بيننا
باي باي ، توحه !
Send
ولم يغفل الشاعر عن إمكانية توظيف بعض ملامح الموروث الشعبي في قالب شعري جديد حيث ظفرت بالإيقاع القرآني في بعض المواضع وإيقاع السجع العربي النثري المطلوب لأنها إقتربت من التراث ولغة الشعب وسهولة وتجانس الموسيقى الداخلية بفعل متواليات داخلية ، ومعروف في بعض النصوص النثرية أنها قد تعاني من عدم إنضباط ، أما في قصيدة فضل خلف جبر فإن القصيدة أنقذت نفسها بإيقاع ما ، تمظهر بشكل فني يلامس شغاف الإيقاع  و تأثيرتجربة شعراء الثمانيات ذلك الجيل الذي عايش أقسى فترة ، لذا ترى جيل الشعراء الثمانيين إنفرد بصفة خاصة بما أنتجته ذاكرته ، وأن محاولة فهم النص تتيح فرصة الاحاطة بسياق دائرة المعنى الذي يستدعي الرؤية التـأملية  للرموز الكامنة وراء المعنى الظاهر لكي يصبح النص قائما ً بذاته فكل شيء في التأمل يدعو إلى التأمل الإستشرافي حتى في الحالة التي تعود إلى الماضي بشموليته فإنها تظهر إليه بوصفه حقبة زمنية مرهونة بالمستقبل ضمن تطابق زمني ، ولا نريد أن نعتمد هنا ثقافة نقدية ملتزمة بقانون التطابق ووحدة النموذج ، وفي هذا الاتجاه نجد أن نصوص هذه المجموعة الشعرية ( من أجل سطوع الذهب) حافلة في طاقتها على إثارة إحالة النص على المواجهة من الوضع المستقبل في علاقته بالذات المبدعة وفاعلية الإستقبال لدى القارئ وفسح المجال أمام الإستنتاجات اللاحقة القائمة على الآراء المحتملة وهو ما يبرر مصطلح ( جدل ) لقدرته على الإستدلال الإستقرائي للنص ، وتبقى هذه المجموعة الشعرية للشاعر فضل خلف جبر خطوة جديدة للشاعر على طريق تكريس مفردات النص الشعري الحداثي بأدوات جديدة ولم تنفصل عن روح الأصالة المتجسدة في إستخدامات معينة في مواضع معينة مثل الجناس ، الطباق ، التناص  في التوظيف الأسطوري كما في قصيدة (زورق أنليل) ص 90
إنليل المبجل
أيها القمر الإلهي ذو الثلاثين وجها ً
لا تخذل العراقيين
لا تش بأنفاسهم
لا تدل على نبضات قلوبهم
لا تفعلها ،
لا اليوم ،
لا غدا ً،
ولا في أي وقت ،
لا تفعلها ، ي إنليل !
بقي أن نذكر أن ديوان من أجل سطوع الذهب صدر مؤخرا ً عن مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع –مملكة البحرين وكان قد صدرللشاعر فضل خلف جبر  دواوين شعرية منها ( حالما ً أعبر النشيد ) 1992 – آثاريون 1997 وطق إصبع الذي صدر مؤخرا ً عن دار الغاوون ببيروت  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات