23 ديسمبر، 2024 7:44 م

من أبو مسلم الخراساني إلى الجنرال سليماني فارس تنهض من جديد

من أبو مسلم الخراساني إلى الجنرال سليماني فارس تنهض من جديد

يقول احد الطغاة وهو يستلهم تاريخ الأجداد في بناء إمبراطورية ملكت شرق الأرض وغربها ( إننا بعملية تحريك الماضي إنما نريد أن نقيم جسرا بينه وبين الحاضر للعبور إلى مستقبل أفضل ) ولأننا امة تهتم بتاريخها ولا تملك سواه , حيث إن العالم من حولنا يتطور بشكل سريع ونحن على حالنا نتعكز على تاريخنا , لذلك اعتمدنا على المقاربة التاريخية في توضيح حال عراقنا ودولته العباسية وأبو مسلم الخراساني مؤسس دولة بني العباس وباني أركانها وحَجاجُها ( الحجاج بن يوسف الثقفي ) الذي وطد دولة قل نظيرها في التاريخ الإنساني وبين دولة العراق الحالي التي من الصعوبة أن نسميها دولة لأنها تفتقر لمكونات الدولة ( شعب وارض وحكومة ) حسب تعريف الدولة في القانون الدستوري , ودور الجنرال سليماني في استمرار وجود دولة العراق الحالي رغم كل المشاكل التي تعيشها الحكومة والشعب العراقي المغلوب على أمره وصدق العامري حينما قال ( انه لولا سليماني لدخلت داعش بغداد ) ,

الغريب في الأمر أوجه الشبه الكبير بين الرجلين أبو مسلم الخراساني والجنرال قاسم سليماني وكأن التاريخ يعيد نفسه في دور الرجلين فكلاهما قاتلا دولة بني أمية المتمثلة في الوقت الحاضر بتنظيم داعش , حيث ذكر القاضي شمس الدين بن خلكان في وصف أبو مسلم الخراساني فقال : كان قصيرا , اسمر ,جميلا , حلوا ,نقي البشرة ,احور العين ,عريض الجبهة ,حسن اللحية ,طويل الظهر , خافض الصوت ,فصيحا بالعربية والفارسية , حلو المنطق , عارفا بالأمور , لم ير ضاحكا , ولا مازحا إلا في وقته , وكان لا يكاد يقطب في شيء من أحواله . و الغريب ان هذه المواصفات كلها موجودة في شخصية الجنرال سليماني حسب ديكستر فيلكنز ومقالته المعنونة ( قاسم سليماني قائد الظل ) والمنشورة في مجلة ( النيويوركر ) : حيث تورد المقالة ان سليماني ضابط في الحرس الثوري الإيراني بعمر 57 سنة , قصير أشيب الشعر ,مع لحية خفيفة , ونظرة ملؤها اعتداد عميقا بالنفس ,تسلم قيادة فيلق القدس في عام 1998 وشارك في الحرب بين العراق وإيران ولمع فيها في عمليات الاستخبارات والاستطلاع ,كما وبرز دوره في القضاء على شبكات تجار المخدرات على الحدود الإيرانية الأفغانية ,

يقول المأمون الخليفة العباسي الأقوى في تاريخ بني العباس : أجلُ ملوك الأرض ثلاثة , الذين قاموا بنقل الدول , وهم : الأسكندر , وازدشير , وأبو مسلم .

يصف المرشد الروحي للثورة الإسلامية آية الله الخامنئي الجنرال سليماني ( انه الشهيد الحي للثورة الإسلامية ) ويصفه المسئولون بأنه: ( المؤمن بالإسلام والثورة الإسلامية ) , ويصفه ماكوير : تفوق سليماني على الغالبية العظمى كونه رجل المعي قادر على التحرك في الدوائر السياسية , ولكنه في ذات الوقت يمتلك قدرة على التخويف والترهيب .

قال أبو احمد ألجلودي عن محمد ابن زكويه قال : روى لنا أبو مسلم الخراساني صاحب الدولة قال : ارتديت الصبر , وآثرت الكتمان , وحالفت الأحزان والأشجان ,وسامحت المقادير والأحكام حتى أدركت بغيتي ثم انشد :

قد نلت بالحزم والكتمان ما عجزت عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا

مازلت اضربهم بالسيف من رقدة لم ينمها قبلهم احد

طفقت أسعى في ديارهم والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا

ومن رعي غنما في ارض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد

يقول الجنرال سليماني في حديثه مع الصحافة وهو معروف بندرة ظهوره في الإعلام : (ساحة الحرب هي فردوس البشر المفقود ,هي الجنة التي يصل فيها ميثاق البشر والخلود إلى أعلى درجاته ) وأضاف ( يتخيل الإنسان نوعا من الفردوس فيه جداول, ونساء , وزرع وارف ,بيدَ أن هناك نوع آخر من الفردوس انه ساحة الحرب ) . التشابه بين الرجلين غريب جدا . عندما قُتلَ أبو مسلم الخراساني اعتقد بعض من يؤمنوا بالتناسخ إن الله قد حل في أبو مسلم المقتول لما رأوا من استيلائه على الممالك وقوته وتجبره وروجوا لهذه الفكرة , ولا يخفى على احد الدرجة التي وصل إليها الجنرال سليماني حاليا في العراق فأصبح عنوان لقصائد وأغاني يتغنى بها المنشدون لتأجيج حماسة المقاتلين العراقيين في قتال تنظيم داعش الإرهابي .

يقول الجنرال ديفيد بترايوس : انه استلم رسالة نصية أرسلها له سليماني على جوال الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني يقول فيها : ( عزيزي يجب أن تعلم إنني أنا قاسم سليماني المسئول عن سياسة إيران في العراق ولبنان وغزة وأفغانستان ….ويجب أن تعلم إن السفير الإيراني في بغداد هو عنصر من فيلق القدس , والسفير المقبل سيكون كذلك ) .

الذي أريد أن أوضحه هو إن الذي يقوم به الجنرال سليماني اشمل من أن يكون دورا متمثلا بشخصه بل يدخل ضمن سياق علاقات مؤسساتية واسعة النطاق تربط المجتمع العراقي والحكومة العراقية بإيران .

يقول الجنرال سليماني ( إننا كإيرانيين لا نتخلى عن أصدقائنا كما تفعل أمريكا ) , ولا يخفى على احد إن حكومة العبادي دُفعت دفعاً للارتماء في أحضان إيران في حربها ضد داعش حيث لا نصير عربي أو غربي لها , فاضطرت إلى القبول بالمساعدة الإيرانية في الحرب ضد داعش وهذه منقبة لإيران وللعبادي وليست مثلبة فلو تطلب حرب داعش التحالف مع الشيطان فان الشعب يؤيد ذلك فإيران وسليماني ارحم من داعش .

والذي يجب أن يفهمه الجميع في العراق شعبا وحكومة بكل أطيافها وأحزابها إن النفوذ الإيراني في العراق حقيقة ثابتة لها جذور تاريخية موغلة في القدم تمتد لآلاف السنين وترجع إلى الحقبة البابلية , لذلك يجب التعامل مع هذه الحقيقة وفق اطر عصرية سياسية تقوم على المصالح المتبادلة بين البلدين والابتعاد عن مبدأ السيد والتابع كما يروج له البعض كما يجب على إيران أن تفهم إن العراق ليس فناء خلفي لها تعمل به ما تشاء ويجب أن لا تنسى أكثر من مليون ونصف قتيل في الحرب التي دارت بينها وبين العراق والتي استمرت ثماني سنوات والمعاناة الكارثية للشعبين نتيجتها,

كتب أبو مسلم الخراساني للمنصور قبل مقتله : كنا نروي عن ملوك ساسان : إن أخوف ما يكون الوزراء , إذا سكنت الدهماء , وهذه النصيحة نوجهها إلى الدكتور العبادي كون وزرائه جلهم فاسدون لا يفقهون من أمور السياسة سوى القابلية على ( الخمط واللغف ) ولكم في المنصور وأبو مسلم أسوة حسنة .

[email protected]