انتشرتْ في الآونةِ الأخيرةِ في إحدى الولاياتِ الكولومبيةِ موطنَ تجارِ المخدرات، ولكنْ في فرعِ الشرقِ الأوسط، الساقطةَ بأيدي مدمني المخدراتِ والمتسكعينَ وقطاعِ الطرق، ظاهرةُ اسمها (الختيار ولكن بصفة البلطجي) يتمُ اختيارهُ منْ قبلِ مجموعةٍ منْ الخارجينَ عنْ القانون، ليكونَ فتوةً لهمْ أوْ كبيرهم، يحميهمْ ويتسترُ على جرائمهم، وهوَ لا يحملُ في تاريخه شيئاً، عدا التاريخُ الأسودُ وفاقدا لأية منْ صفاتِ القيادةِ الإنسانية، سوى التخلفِ والأفعالِ غيرِ الشرعية، منْ النصبِ والاحتيال، أوما يسمى (56) . يسيرٍ أمامهُ بعضُ الأمشجية- مهنةٌ عثمانية، يسيرُ أحدُ الأشخاصِ حافيا أمامَ موكبِ السلطانِ العثماني، وبيدهِ عصا يكش ويبعد فيها الناسُ والمارةُ عنْ طريقِ السلطانِ (ويصيحَ وسعٌ للباشا ) – وما أكثرهمْ اليومُ في واقعنا ، ولكنْ برداءٍ وشكل، ومسمى جديدٌ ( البودي جاردْ ) ، فبدلاً عنْ العصا، ذاتَ التأثيرِ البسيطِ على المستطرقينْ والمارة، حمل السلاحُ الكاتم، ليسهل مهمة المتلقي مباشرةِ إلى (منكرٌ ونكير) ليلقناهُ تلقينُ ليلةِ الوحشة، وينتظرونَ إجابته، التي تحيلهُ أما إلى نارِ جهنم، أوْ إلى جنةِ الخلد.
يقيمَ البلطجي، كلُ أسبوعِ وليمةٍ كبيرة، يحضرها كبارُ اللوكيةِ والمنافقينَ وأشباه الرجال منْ ذوي الأقراطِ في الآذان، منْ أهلِ المدينةِ ومنْ حولها، مرتدٌيا طاووسهِ المبرقع، لتيمدّ مواكبُ الأكلِ الحرام، ما لذَ ، وطاب، منْ الطعامِ والفواكهِ والحلويات، التي يأخذها خاوةً منْ أصحابِ المحلات، وإلا، يكشف المستور هويته وتبعيته، ويهدد، بالآلةِ الأكبرِ (آمونْ ) ، ليتسمموا الزقنبوتْ في مسكنه المغتصب، الذي شيدهُ على أرضٍ العامة، ورصيفِ لسير المشاة. الويلُ الويلِ لمنْ يذكرهُ بالسوءِ ، سيرى نجومُ الظهر منْ قبلُ بلطيتجه، مثلما يقالُ في المثلِ المصري الشعبي، ويواجهَ سربا منْ النسورْ الجارحة، تهبَ منْ كلٍ صوب وحدب، لتقتنصه، وتهدمَ دارهُ على رأسه، وتحولهُ إلى هباءِ منثور.
هذا يذكرني، بأحدِ المثقفين الفقراء، فقدْ طلبوا منهُ أنْ يدليَ تصريح، مجتمعيا لظاهرةٍ اجتماعية، تنتقصَ منْ الأخلاقِ العامة، وأشاعَ صيتها بينَ الشباب، كأغاني أحمدْ عدوية (سلامتها أمْ حسن) أو، عبدُ الرحيمْ شعبانْ (تبطلَ السجاير) رحمهما الله، ليطربوا عليها ، ومعهُم النارجيلةُ ومعسلها، ولعابهم، الذي يتدلى منْ فمهِمالأسودِ على حنكتهم المجعدة.
في ظلِ انتشارِ هذهِ الظواهرِ في المجتمعِ الكولومبي، يبرزَ مجموعةً منْ التساؤلات؛ أينَ يذهبُ المثقفونَ وذوي العقلِ والحكمةِ ؟ هل : يتوارونَ عنْ الأنظار، أمُ الصمتِ هوَ الأفضلُ لهم.! لقدْ أصبحَ الجهلة همْ الكثرة، ومن يرافقهم منْ ذوي التصفيقِ والتطبيل منْ المتخلفينَ ، والفقراء بسببَ ظروف معيشتهم، يسيرونَ خلفُ البلطجي، ويرتدونَ ملابسَ زبانيته.
أما زميلنا، من يدعي بالثقافة، فقد ركنَ جانبا؛ هو وكتبهُ وأفكارهُ ومقالاتهِ ، التي تتناول، السلوكُ والأخلاق، وإصلاحَ المجتمع، وهذهِ في نظرِ البعض؛ لا تطعمُ جائعا، ولا تكسينْ عريانا ، بينما البلطجي، الذي يمتلكُ المالُ الحرام، والجاهُ المزيف، والسلاحُ الفالت، يفعلَ ما يشاءُ ، ويقلبُ عاليها على واطيها، إن عارضه أحد، بصعاليكهِ المصفرة الوجوه.
هنا، يقومَ المثقف، في تقليب أوراقهِ القديمة، ليجد قولَ سقراط: الحكمةُ الحقيقيةُ الوحيدةُ هيَ أنْ تعرف، أنكَ لا تعرفُ شيئا. أوْ قولِ توماسْ هنري هكسلي: أساسُ الأخلاقِ أنْ تمتنعَ نهائيا عنْ الكذب. أوْ قولِ الشاعرِ الأمريكيِ هنري لونجفيلو: منْ يحترمُ نفسهُ يصبحُ في مأمنِ منْ الآخرين، فهوَ يرتدي درعا لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يخترقه.
إنَ منْ أولِ علاماتِ الشيخوخة، أنْ تتحولَ منْ إنسانٍ يحلم، إلى إنسانٍ يتذكر، مثلما يقولُ الروسيُ أنطونْ تشيخوف.
اليومُ أصبحنا مثلما، ما قالَ الشاعرُ محمودْ درويش: بالأمسِ كنا نفتقدُ للحرية، واليومُ نفتقدُ للمحبة، أنا خائفٌ منْ غد، أنْ نفتقدَ للإنسانية.
ونختمها بالمثلِ الأفريقي: لتستمع إلى النصائحِ منْ جميعِ كبارِ السن، وتذكرَ أنَ الحمقى يكبرونَ أيضا. لذلك، لنتذكرْ دائما مفردة- التقيةُ واجبة- لتبتعد عنْ رجالِ الظلام.
يا أبا الغيث: هذهِ الأصنامِ التي صنعتْ في غفلةٍ منْ الزمن، يجب، أنْ تهدم، مثلما هدمها، سابقا، نبينا ابراهيم (ع)، ويحلَ محلها النورُ السماوي، فيجبُ على كلٍ مثقف، أنْ يحركَ قلمه، ويبريه ، أو يمليه حبراً، وإلا، سقط الوطن بيد البطجي وزبانتيه، ويكتبَ ما يستطيع كتابتهِ منْ أفكارٍ وحكمٍ وأقوال في الاخلاق، الىالجهلةُ والمغررُ بهم في الابتعادُ عنْ عبدة الاصنانم والسير خلفهم ، أو الخضوع لهام، فالعقل زينة الرجال، والتوجهُ إلى الله– سبحانه وتعالى، ونذكرهم بقوله تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم ) .