23 ديسمبر، 2024 1:21 م

مني السبت راح، واشلون ارتاح

مني السبت راح، واشلون ارتاح

حكي عن الجاحظ أنه قال ألفت كتابا في نوادر المعلمين وما هم عليه من التغفل، ثم رجعت عن ذلك وعزمت على تقطيع ذلك فدخلت يوما مدينة فوجدت فيها معلما في هيئة حسنة فسلمت عليه فرد علي أحسن رد ورحب بي، فجلست عنده وباحثته في القرآن فإذا هو ماهر فيه ثم فاتحته في الفقه والنحو وعلم المعقول وأشعار العرب، فإذا هو كامل الآداب، فقلت هذا والله مما يقوي عزمي على تقطيع الكتاب، قال فكنت أختلف إليه وأزوره فجئت يوما لزيارته فإذا بالكتاب مغلق ولم أجده فسألت عنه فقيل مات له قريب فحزن عليه، وجلس في بيته للعزاء فذهبت إلى بيته وطرقت الباب فخرجت إلي جارية وقالت: ما تريد؟ قلت سيدك، فدخلت وخرجت وقالت باسم الله فدخلت إليه وإذا به جالس فقلت: عظم الله أجرك لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، كل نفس ذائقة الموت فعليك بالصبر، ثم قلت له: هذا الذي توفي ولدك؟ قال لا، قلت: فوالدك؟ قال لا، قلت فأخاك؟ قال لا، قلت: فزوجتك؟ قال لا، فقلت وما هو منك؟ قال حبيبتي فقلت في نفسي هذه أول المناحس فقلت: سبحان الله النساء كثير وستجد غيرها، فقال أتظن أني رأيتها، قلت وهذه منحسة ثانية ثم قلت وكيف عشقت من لم تر؟ فقال: اعلم أني كنت جالسا في هذا المكان وأنا أنظر من الطاق إذ رأيت رجلا عليه برد وهو يقول:

يا أم عمرو جزاك الله مكرمة ردي عليّ فؤادي اينما كانا

لا تأخذين فؤادي تلعبين به أهكذا يقتل الانسان انسانا

فقلت في نفسي لولا أن أم عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها ما قيل فيها هذا الشعر، فعشقتها فلما كان منذ يومين مر ذلك الرجل بعينه وهو يقول:

فلا رجعت ولا رجع الحمار لقد ذهب الحمار بام عمرو

فعلمت أنها ماتت فحزنت عليها، وأغلقت المكتب وجلست في الدار، فقلت: يا هذا إني كنت ألفت كتابا في نوادركم معشر المعلمين، وكنت حين صاحبتك عزمت على تقطيعه، والآن قد قويت عزمي على إبقائه وأول ما أبدأ، أبدأ بك إن شاء الله تعالى، هذا انموذج صريح على مايلاقيه المعلم من ويلات تربية وتعليم الاطفال التي يعجز عن تربيتهم ذووهم، اربعة او ثلاثة في البيت يتعبون الام والاب، فمابالك ب300

طالب ، يوميا يتحمل المعلم مشاغباتهم واخلاقهم التي يأتون بها من بيئات مختلفة، ولا الوم المعلم ان شت عقله نتيجة للاصوات النشاز التي يتعرض لها جراء وجود مديريات التربية ووجود المشرفين الذين يمثلون دور الانسان المنافق الذي مهمته ان يكسر رقاب الآخرين، اضف الى ذلك التجاهل الذي يلقاه المعلم من الدولة ومؤسساتها المتعددة، ومن الحكومة التي وضعته في آخر الطابور محتجة ان اعداد المعلمين وصلت الى 600 الف معلم ولذا يستحيل زيادة مرتباتهم او اعطائهم قطع اراض سكنية، او مساواتهم مع بقية الوزارات باحتساب مخصصات لدوامهم يوم السبت، والذي يمثل عطلة رسمية، مع العلم ان مهمة المعلم شاقة جدا وهو يحتاج الى عطلة يومين في الاسبوع، بعد ان قلص محمد تميم العطلة الصيفية، فالامتحانات الوزارية تمتد الى 15 في شهر السابع، ومن ثم تأتي امتحانات الدور الثاني في 15 من شهر الثامن، ومن ثم امتحانات الدور الثاني في المدارس والمباشرة، وهنا اخرس اللسان الذي قال يجب ان نصادر مرتب المعلم في العطلة الصيفية، الجهل الذي ينطوي عليه المسؤولون في وزارة التربية جعلهم يستهينون بدور المعلم وقدرته على التغيير، فوصفوه باوصاف شتى منها الحمار وآخر وصف حظي به المعلم من مدير التخطيط بوزارة التربية بانه اعمى، ان بناء الانسان مهمة عسيرة ولعمري لايقدر عليها حمار ايها الحمير، نعم المسؤولون في الدولة حمير لانهم لايعلمون حقيقة مهمة المعلم ومعاناته، ففضلوا عليه الاستاذ الجامعي، في حين ان المعلم للتربية والتعليم وليس للتعليم فقط، وفضلوا عليه الشلرطي والجندي ، وفضلوا عليه العامل، لان المعلم الان يمثل اضعف لبنة في المجتمع العراقي وهذا بسبب السياسات الخاطئة للدولة العراقية الجديدة، فكان السبت الذي سلبوا به راحة المعلم، وهو لم يكن سببا بتعطيل الدوام في زياراتهم المليونية ولا اعيادهم المختلفة.