22 ديسمبر، 2024 7:13 م

منى وحيد شاعرة تنتمي إلى السماء الثامنة

منى وحيد شاعرة تنتمي إلى السماء الثامنة

كل إنسان يخفي بداخله شاعرا يقول كلماته بطريقة ما، قد تحيا وتستمر لتكون نهرا أو تختار قطرة تكفي لتروي النهر. ومنى وحيد شاعرة تخفي بداخلها الإنسان بكل أبعاده الكونية، تستطيع من خلال كلمات قليلة أن تعبر عن النور والعتمة وصراعهما الأبدي.

إنها أشبه بفلاحة تزرع حقول الورد، من أجل تقطيره واختيار تركيبة لجميع الحواس، من خلال كلمات قادرة على حمل أصعب وأثقل المعاني. ولأنها امرأة فإنها تنتصر لأنوثة العالم وخصوبته وحنانه وسط وحشية لا تستريح.

تقول: “شالي الوردي / تبعثره الريح/ آخذا روحي.

إن المحرك السحري للدلالة في ديوان الهايكو للشاعرة المغربية “أنتمي للسماء التي لا تُرى”(2019). هي الحركة جوهر الحياة والعالم،فكل قصائدها/ كلماتها  تعكس الحركة التي تأتي بتعبيرات مختلفة بين نقطتين: الأرض والسماء، الأنا والآخر، النور والعتمة، الحياة والموت/ البداية والنهاية، النسبي والمطلق، الذاكرة والمستقبل، وغيرها من المعاني التي تحيط بصوت شاعرة لا تتوقف عن العبور بين الباطن والظاهر، لعلها تجد صياغة ممكنة لدهشتها بخصوص الانتماء إلى سماء طاهرة تروي الأرض وتغسلها من تيهها، تغسل وعي العالم ولا وعيه لتظهير الحقيقة(الوعي واللاوعي/أيهما الحقيقة/ أيهما الوهم. ص:70).

ومما جاء في التقديم (ص:3) والذي يُبسط بعض آفاق هذا الديوان، وهو نتيجة مقام الشاعرة منى وحيد باليابان في الفترة ما بين 2014- 2018، وحضورها أعمال مؤتمر جمعية هايكو العالم عام 2014، والمؤتمر الدولي للهايكو بجامعة ميجي بطوكيو (سبتمبر 2015)، وندوة الهايكو الدولية الأولى بمركز تواصل الثقافات بالرباط (يوليوز2015).

جاء في التقديم بأن هذا الديوان “أنتمي للسماء التي لا ترى”، يخترق “بوحا عاليا تلتقط فيه المعنى الجوهري لتجربتها الحياتية ومشاهداتها لما يدور حولها وما يمور داخلها من تأملات ذاتية الحركة العالم والأشياء. فهي تقبض على شذرات الكلام من منطقة غير متوقعة ومن زاوية حميمية من الذات تنتسج فيها خيوط حوارية عفوية وحدية مع العالم في آن واحد.

في قصائد الديوان، تعلن الشاعرة وحيد منى انتماءها لسماء أخرى، سماء الحنين اللاعج إلى أرض البداءة المفقودة. وفيها أيضا تمتزج نبرات صوت أنثوي هادر وغنائية متأملة عذبة تتناغم فيها الذات وتتوتر مع الأشياء والطبيعة في جديلة هارمونية راقصة رقصة الصوفي في سفره الدائب تحت سموات متحولة هاربة أبدا.الهايكو لديها حالة متفردة لاقتناص الإحساس الوجودي العابر، والتعبير عنه شعرا. الشعر وحده يستطيع اجتراح المستحيل”.

في تجربتها الموالية، شذرات على طريقة الهايكو، “صدى صوتي”(2022)، تجعل من كلماتها زانة شذرية تقفز بها فوق المعنى الأقصى للمتخيل الشعري في لباس الهايكو، في تجربة الانخطاف وكأن الشاعرة خبيرة في عوالم الكون والفلك، بكلمة واحدة تختزل السنوات الضوئية، هي بذلك تجدد في المعنى الشعري داخل شكل مغاير لا يحتمل الثرثرة او الشرح، فها هي القصائد تتحول إلى كلمات، للدلالة على أن الكلمة الواحدة ( أو الفقرة الواحدة) قادرة على أن تنهض بالعالم وتسائل الذات وهواجسها، ف” الدهشة بداية النظر/ الشك مواجهة الكون/ التأمل في الذات/ غثيان غثيان”. لا تنفصل الكلمة عن الرؤية في سياقها الفلسفي والفني، وهو ما  تقوله في تقديم ديوان “صدى صوتي” بأن “الإبداع سؤال يومي وملح. فهو اللبنة التي تحول كل تفاعل وجودي مع كل ما يقتحمنا، اختيارا أو غصبا إلى معنى. من ثمة كان إيماني بضرورة الإبداع واعتباره الخلاص الوحيد الذي قد يرقى بكل ما حولنا ويجعل له جدوى”.

وحول تجربتها الثانية في هذا الديوان، تؤكد: “تجربتي الثانية، في هذا الديوان، عبارة عن تحدّ ذاتي، انفتاح على عالم النقرة الواحدة، سرعة الضو، ومضات اللغة.”

“حين أنظر لما تزخر به الحقب وأفكار التاريخ الإنساني من قطائع وسيرورات الفكر والإبداع اللامحدود . أرى في تلامذتي داخل الصف الدراسي، حلقة وصل بين زمن الآن والأزمنة التي أحملها، شغفا، لأقدمها إليهم”.

“أن أكتب انطلاقا من النص الفلسفي أصغر مقطع ممكن، قد يسمى هايكو، شكل لي تحديا للوصول إلى تلامذة بلادي من جيل الدقائق القليلة للفهم والتحصيل، الذين هم ملاذ المستقبل الأفضل.

رغم تطوافي المتواصل في أصقاع العالم، ظلوا نصب عيني. لم أكن أريد أن أبتعد عنهم، بل أن أندمج في دقائق تفاصيلهم كي أرقى للتعلم من جديد أن تداعيات الإبداع لا تحتاج اليوم لملاحم من كلام.

 هكذا بدأت فكرة هذا الديوان. إيجاز نصوص فلسفية طويلة لإبداع نصوص، على طريقة الهايكو، يغني رحيقها طلبتي ويحثهم على التفاعل الإيجابي والتحصيل السلس.

والآن، وقد ساقني تيار الحياة إلى تجربة أخرى بنيويورك، كان ما كان من صوغ رحيق آخر من الفرح والألم معا، أعيش كما يعيش كل الناس مع التشبع بروح المكان والزمان وإحاطتهما بالإبداع والمعنى. بالإضافة إلى ذلك، العزلة التامة في زمن الجائحة.

أن تمارس الترحال، يعني أن تفقد التواصل الحي والحيوي مع أهلك ووطنك. أن تغير المكان، يعني أن تنفتح على هوية ونبض كينونات ووجود آخر. ما حدث في زمن الجائحة كان بكل بساطة تجسيدا لمفهوم العزلة. العزلة تجعلك تدرك أن فوضى الأصوات والمحيط هي أنت نفسك؛ أي محيط أنت فيه غريب كشخص، ووطن أنت فيه قريب كهوية. هكذا إذن تتعلم بدقة أنك كائن إنساني كل نبض فيك هو آخر نابض أيضا في الجوار.

الشاعرة منى وحيد من مواليد مدينة القنيطرة (المغرب) حاصلة على إجازة في شعبة الفلسفة من جامعة محمد الخامس ودبلوم المدرسة العليا للأساتذة بالرباط. أستاذة مادة الفلسفة. درست بالمغرب، وفي الجامعة الوطنية الأسترالية بكانبيرا. تعمل حاليا أستاذة اللغة الانجليزية بكلية وستشستر بنيويورك.