18 ديسمبر، 2024 10:05 م

منهجهم إلغاء العقول

منهجهم إلغاء العقول

العقلُ جوهرةٌ نفسيةٌ، وتُحفةٌ الهيةٌ منحها الخالقُ للإنسان، فهو النبيُ الباطن الذي يجعل الانسان قادرًا على التمييز بين الحسن والقبح، الحق والباطل، والنور والظلام، والخير والشر، والحقيقة والوهم، وللعقل منزلة كبيرة، ودرجة رفيعة، في عقيدة السماء، فليس ثمة عقيدة تحترم العقل وتعتمد عليه في ترسيخها كالعقيدة الإلهية، ولا يوجد كتاب خاطب العقل، وغالى في قيمته ومكانته ودوره وأهميته كالقرآن الكريم، بل إنَّ الدعوة الى الله قائمةٌ على العقل والتعقل والتفكر والتدبر، أي قائمةٌ على الإقناع العقلي: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 73]، ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24]، ﴿ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾، [الأنعام: 98] ونحوها الكثير.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله:« استرشدوا العقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا »، وقال أيضًا:« سيد الاعمال في الدارين العقل »، وعن الباقر عليه السلام قال:« لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال له: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، ولا اكملك إلا فيمن أحب أما إني إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أثيب»، بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ١ – الصفحة ٩٦

وعليه فإنَّ عملية اقصاء العقل، أو تغييبه عملية مُمنهجة، الهدف منها ابعاد الانسان عن منهج السماء والعلم والأخلاق والإنسانية، لأنَّ العقل هو المخلوق الذي جُبل على الايمان بالله وطاعته، والاقرار بمنظومة القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية، وأنَّه يمتلك القدرة على ادراك الحقائق والمعارف والتمييز بين القضايا الحقة والباطلة، وبين الخير والشر…

لقد كشف الأستاذ المعلم عن تجذُّر هذا المنهج القذر عند التيمية الذين يلزمون أتباعهم بالغاء العقل كي يُمرِّروا عليهم ما يخالف الدين والعلم والمنطق والأخلاق كالكذب والتحريف والتدليس والخرافة والأساطير والافتراءات والتهم التي يلصقونها بكل من لا يؤمن بعقيدتهم المنحرفة التي لا تمت الى الدين والعلم والأخلاق والانسانية بصلة، ومن المظاهر التي ذكرها الأستاذ المهندس حول منهج الغاء العقول عند التيمية هو ما جاء في المحاضرة العاشرة من بحث: (ما قبل المهد إلى ما بعد اللحد) تحليل موضوعي في العقائد والتاريخ الإسلامي حيث قال:

« يُلزمك المنهج التيمي بإلغاء عقلك، والتصور والتصديق بأنّ معاوية أخو وابنُ عمّ نبيِّهم الذي يعتقدون به، وزوجُ ابنتِه وبضعتِه، وأنّ معاوية خليفةُ نبيِّهِم ومنزلتُه منه بمنزلة هارونَ من موسى، وأنّه أوّل من أسلَم وآمَن به، وأنه أخوهُ وقد اختصّ بِه في المؤاخاة، وأنه من البدريين وعلى رأس أصحاب بيعة الرضوان، وأنه مع الحقّ والحقّ معه وأنه مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا الحوض على نبيّهم، وأنَّ نبيّ التيمية تَرَكَ فيهِم الثقلين كتابَ الله وأهل بيتِ أمَيّة وأنهما لن يفترقا أبدًا وأحدهما عِدْل الآخر، وأنّ آية التطهير نزلت في معاوية ويزيد وآل أميّة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم، وأنّ الصلاة لا تتم ولا تصحّ إلّا بالصلاة عليهم، وأنّ وأنّ، وأنّ وأنّ وأنَّ!!!»، انتهي المقتبس.

نعم اذا أُلغي العقل تنقلب الموازين راسًا على عقب، فيصبح الحسن قبيحًا والقبح حسنًا، والعلم جهلًا والجهل علمًا، والحق وباطلًا والباطل حقًا، والخير شرًا والشر خيرًا، والحقيقة وهمًا والوهم حقيقة، والصدق كذبًا والكذب صدقًا، والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وهكذا دواليك…

لذلك نجد وعلى طول المسيرة البشرية أن قوى الشر والظلام والضلال تطبق منهج الغاء العقول للسيطرة على الشعوب وتحريكها بالشكل الذي يحقق مخططاتها الخبيثة، ويخدم مصالحها الشخصية، والشعوب دائمًا هي الضحية، وهي أيضًا تتحمل المسؤولية لأنَّها انقادت بصورة عمياء لمن يطبق عليها منهج الغاء العقول الذي يزداد خطورته حينما يُمرَّر تحت غطاء الدين كما يفعل المنهج التيمي وأتباعه.

ولدفع خطورة وتبعات منهج الغاء العقول فقد دعاء الأستاذ المعلم الصرخي مرارً وتكرارً بالقول والعمل الى تحرير العقل والفكر والتعقل والتفكر والتدبر، واعتماد المنهج العلمي، بل وأكد على ضرورة الارتقاء والتكامل العقلي والفكري لأنَّه مفتاحٌ لباقي التكاملات الحسنة، فقد قال في سياق بيانه لدور العقل: « لا يخفى إن التكامل الفكري هو الأفضل والمفتاح لتحقيق باقي التكاملات النفسية والأخلاقية والتضحوية والايثارية والروحية لان العقل هو المميز بين الحق والباطل …فإذا ميز الحق وتقبل القضايا الصحيحة الصالحة الحقة وانطبعت في ذهنه وتركزت وتعمقت فانها تتحول الى مشاعر واحاسيس وهكذا عندما تشتد المشاعر والاحاسيس وتصل الى درجة النضوج الضاغط على العضلات والجوارح فتتحول الى تصرف وسلوك صالح وموافق للشرع والاخلاق الفاضلة وبخلاف ذلك اي عندما يتقبل العقل القضايا الباطلة المنحرفة ويتمسك بها فعند اشتدادها وتركزها فإنها تتحول إلى مشاعر وأحاسيس شاذة منحرفة وإذا اشتدت ونضجت وضغطت على العضلات والجوارح تحولت إلى تصرف وسلوك منحرف شرير سقيم فيحصل الظلام والنجاسة النفسية والقذارة الأخلاقية».