من ينقذ العراق؟ سؤال لطالما ظل عصي الإجابة منذ عدة سنوات ،بسبب ما مر به الوطن وما زال من أزمات متتالية على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الرغم من أن إطار الدولة قائم على الديمقراطية والانتخابات، إلا أن هذا المعيار لبناء الدولة لم يستطع الاستجابة لمتطلبات الاستقرار السياسي والاقتصادي والتنموي، بل على العكس، تحول إلى أكبر كابوس يهتك ببنى الدولة ومؤسساتها لأسباب عديدة، أبرزها إنتاج المحاصصة والمحسوبية والطبقية والفساد الإداري الذي ينخر جميع مفاصل الدولة.
العراقيون توّاقون للحل وعيونهم ترنو صوب الرجل المنقذ وليس الحزب المنقذ، لأن الأحزاب أصبحت خارج حسابات الوطن وانتهت صلاحيتها مع فقدان ثقة المواطن بها، نتيجة سياساتها المدمرة، وللأسف فإن بعض ديناصورات السياسة مازالوا يروجون لفكرة السياسي المخضرم ،وهو مصطلح مستهلك ولا يعني شيئاً أمام وعي العراقيين وإدراكهم ،أن التغيير الجذري لا يكون إلا بشخصية اقتصادية براغماتية واعية تمتلك أدوات النجاح والتقدم.
ولو راجعنا بعض تجارب البلدان التي مرت بنفس التجربة العراقية الحالية لوجدنا أن جميع تلك الدول نهضت بفعل رجل واحد يمتلك مواصفات الشجاعة والنزاهة والحنكة والنزاهة ،التي مكنته من إنقاذ بلده من الضياع.
في ماليزيا مثلا تمكن الرئيس مهاتير محمد من بناء أقوى اقتصاد آسيوي طيلة سنوات حكمه لما يمتلكه من خبرة اقتصادية كونه رجل أعمال ناجحاً وقادراً على إدارة أصعب الملفات ،وفي أكثر الظروف تعقيداً، وأصبحت ماليزيا بفضل عقليته وخبرته دولة اقتصادية مستقرة لها ثقلها العالمي.
وفي سنغافورة تمكن الزعيم لي كوان يو من النجاح في بناء دولة من العدم مستثمراً كل الامكانيات المتاحة على الرغم من أن بلاده لم تمتلك الأموال أو الموارد الاقتصادية ،لكن عقليته العملية وشخصيته الواقعية وإصراره على محاربة الفساد ،مكنته من تحويل سنغافورة الى دولة تقف في مقدمة البلدان الاقتصادية، وهذا الواقع ينطبق أيضاً على الرئيس اللبناني رفيق الحريري الذي كان رجل أعمال واقتصادياً محترفاً، تمكن من إعادة بناء لبنان وانتشالها من الضياع بعد تسنمه الحكومة في ظل ظروف أصعب بكثير من ظروف العراق الحالية، فاستلم الرجل الدولة وهي منهكة من حرب أهلية وتدخلات دولية وإقليمية وصراعات داخلية ومليشيات مسلحة، واقتصاد منهار وبنى تحتية مدمرة، ولكنه بخبرته الاقتصادية وخبرته في إدارة المشاريع ،استطاع أن يؤسس بلداً حديثاً ومتطوراً بالرغم من قلة الموارد وتمكن من النهوض بالاقتصاد اللبناني بعد أن ترجم قدرته في إدارة الأعمال إلى ممارسة وسلوك في بناء الدولة.
وكذلك الحال في تركيا التي كانت تعاني من تراجع اقتصادي وانهيار شبه تام بسبب الصراع بين السلطة السياسية والجيش، لكن ماذا حصل لتتحول تركيا الى قوة اقتصادية كبيرة وبات من الصعبة إيقاف جماح أنقرة في التوسع الإقليمي والدولي؟، إنه أردوغان ،نعم هذا الرجل صاحب العقلية الاقتصادية الماكرة تمكن من إعادة بناء الدولة واستثمار مواردها بأفضل شكل.
الآن العراق بحاجة ماسة لرجل أعمال ناجح يستطيع النهوض بالواقع العراقي لأن رجال الأعمال لا يخضعون للسلطة الحزبية بل معيار نجاحهم هو التجربة والقدرة على إنجاز أي مشروع بأصعب الظروف.
إن التحدي الكبير الذي يواجه أي حكومة الآن هو توفير بيئة ملائمة لإجراء الانتخابات المبكرة، وهذا الأمر ليس بالسهل واليسير في ظل تصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية والفوضى التي باتت واقعاً في أكثر من نصف المحافظات، لذلك فإن قيادة الوضع الراهن لا يتطلب وجود أي سياسي على رأس الدولة بل رجل اقتصاد من ذوي الخبرة والنزاهة ،الذي أثبتت التجربة نجاحه في ميادين الإعمار والتنمية، والعراق فيه الكثير من الكفاءات التي لها باع طويل في القيادة والإدارة خاصة في مجال القطاع الخاص.
وهذا الأمر يحتاج إلى إعادة هيكلة الدولة ،بما ينسجم مع متطلبات المرحلة من خلال نظام رئاسي تكون فيه القيادة مركزية بيد رئيس الجمهورية وبصلاحيات كبيرة حتى يتسنى له اختيار رئيس الوزراء وهو من يكون الضامن للإشراف على تنفيذ البرنامج الحكومي، وأعتقد أن هذا الخيار هو مطلب شعبي فرضته مطالب ساحات التظاهر.