23 ديسمبر، 2024 5:44 ص

منظومة المسؤولية الإنسانية

منظومة المسؤولية الإنسانية

الإنسان مخلوق مزود بكافة الظروف الموضوعية التي تجعله أرقى وأفضل الموجودات في هذه الدنيا وان كل ما تهيئ للإنسان من عوامل رقي هي من عند الله تبارك وتعالى ابتداءً من خلقه بأحسن صورة وتكوين إلى تمييزه عن سائر المخلوقات بالعقل إلى خلق الأنعام وتهيئة مقومات الحياة الطيبة له إلى بعث الرسل والأنبياء لإرشاده وتقويمه وهي دلالة واضحة على مدى الاهتمام الإلهي بالإنسان حيث انه تبارك وتعالى لم يخلقه ويتركه مهمل وإنما حباه بالرعاية والاعتناء الدائم ونجده أكثر من يعطف على الإنسان ويرأف به حتى أكثر من والديه.
بعد هذا نجد انه ينبغي على كل إنسان مسلم واعي ان يجد موقعه من هذه النعم، كيف استثمرها، ما هي آلية رد الجميل للمنعم عز وجل… من ذلك يمكن ان نحدد ثلاث مسؤوليات رئيسية يجب ان يراجع الانسان نفسه فيها ويكتشف شعوره تجاهها:
اولاً: مسؤولية الإنسان تجاه ربه:
ان اعظم مسؤوليات الانسان هي التي تضعه امام الله تعالى خالقه والمنعم الاول والاخير عليه حيث يجب ان يسعى انسان اليوم ليصل ويحقق الغاية من خلقه اول الامر… قال تعالى ((اني جاعلٌ في الارض خليفة))، كم ابتعدنا اليوم عن هذه الغاية من خلقنا فلنحاسب انفسنا ونراجعها ماهي متطلبات ومواصفات خليفة الله الناجح مالذي يجب ان نفعله كي نحظى بهذه المرتبة التي رغم كونها الهدف من خلقنا الا اننا نجد اليوم من يعتبرها خيالاًُ ومرحلة لايصلها الا الانبياء والائمة ويتقاعس في اداء دوره بحجة انه لا يستطيع ان يصل الى هذه المرحلة، ان كل ما نحتاجه ان نعرف ماهو هو مطلوب من هذا الخليفة… قال تعالى (( انا عرضنا الامانة على السماوات والجبال فابين ان يحملنها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولاً))، ان مسؤوليتنا الرئيسية امام الله هي حملنا الرسالة الالهية الحقة التي جاءت على لسان رسوله محمد (صلى الله عليه واله) واكملها الائمة الاطهار (عليهم السلام) ويجب علينا ان نكملها رغم ما حاوله الاعداء على مر الزمن من حرفها عن مسارها الصحيح مما ادى الى انحراف الامه الاسلامية وتشتتها ونحن شباب اليوم تقع على عاتقنا مسؤولية كبرى تتمثل في حمل الامانة والسير على خطى معتدلة نحو التغيير حيث ان الشباب طاقة متغيرة قادرة على التغيير.
ثانياَ: مسؤولية الإنسان تجاه نفسه:
فبعد ان حددنا المسؤولية الاولى تاتي المسؤولية الثانية مكملة… حيث يجب على الانسان ان لا يهمل نفسه وروحه التي هي الاحق بكل خير يحصل عليه الانسان، تبدأ عملية الاعتناء بالنفس ومداراتها من ملئ الفراغ الفكري الذي يعيشه العقل واستيعاب كل مفردات الامانة التي حملها وبناء قاعدة رصينة ومتينة داخله لكي ينطلق بعدها لبذر بذور الاصلاح داخل المجتمع حيث
نجد ان مسؤوليتنا امام انفسنا ان نراقبها ونحاسبها في كل لحظة ونسيطر عليها ولا نركن لها طرفة عين بل نخلق منها اداة خالصة لتنفيذ المشروع الرسالي في المجتمع ويجب ان نعمل بجد واجتهاد لنكون منتجين بعد ان قضينا اوقاتاً طويلة في الاستهلاك ولانضيع اي وقت او فرصة للارتقاء بالنفس، حيث ان الله تبارك وتعالى زودنا بمصادر الحصول على المعرفة فلم تبق لدينا حجة اذا ضللنا الطريق ولن نُعذر.. يقول تعالى ((ولا تقف ما ليس لكَ به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولاً)).
ثالثاً: مسؤولية الإنسان تجاه مجتمعه:
وهنا تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة العمل وقطف الثمار حيث ان الغاية من بناء النفس هو الانطلاق بقوة داخل المجتمع للاصلاح والتغيير، لكن يجب اولاً ان يجسد الانسان مايدعوا له في نفسه امام المجتمع ولا يتهاون في اصغر الامور، ونحن اليوم بحاجة ماسة الى الكثير من الشباب الواعي المثقف الرسالي الذي هضم الفكر الاسلامي المعتدل ان ينطلق في المجتمع الذي فعلت به الامواج الفكرية العشوائية والمتخبطة فعلها ولذا نجد في هذه المرحلة اننا ملزمون باستثمار كل مالدينا من طاقة والانتقال بالنظرية الى ساحة التطبيق والعمل الميداني، والذي من مقوماته التكاتف والعمل الجماعي حتى يكون تأثير العمل اقوى واكثر تركيزاً داخل المجتمع وخير بداية للانطلاق هو مجتمع الطلبة والشباب لان الامة ترتقي بشبابها والشباب في مقتبل العمر وسيكون لديهم الكثير الكثير لينجزوه للمجتمع، وفي ذلك نسعى ولا نخشى ونطلب النصرة والإرشاد من الله تبارك وتعالى على ان يكون العمل خالصاً له وحده وليس لاي غرض ذاتي آخر حيث يجب ان يكون الانسان صادقاً مع نفسه في اي عمل ولا ينسى الرقيب… يقول تعالى ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)).
والحمد لله الحق المطلق…(اللهم عَلمني كيف أحيا… أما كيف أموت فإني سأعْلَمُه)