23 ديسمبر، 2024 6:56 ص

منظومات الفساد وتعدد لجان المراقبة‎

منظومات الفساد وتعدد لجان المراقبة‎

ربما أسوأ مايتعرض اليه شعب العراق اليوم هو ماتعنية تلك الكلمة البائسه ( الفساد ) والذي يبدو أنه قد تحول الى شريعة أسست بدورها الى منظومات تفشت وتعمقت في كل مؤسسات الدولة بعد 2003 , ومن المؤسف أن تلك المنظومات تزداد ضخامة وقوة وانتشاراً يوم بعد يوم , بل وأصبحت منهجاً له آلياته وأهدافه وأدواته التي يستطيع بها الوصول الى كل مفاصل الدولة , وقد أرتبط قسم من تلك الاليات بدول أو جهات متمرسه في هذا المجال , بعضها أستخباري وبعضها الاخر مافياوي وغيرها , وقد توسعت هذه المنظومات بحيث أمتدت الى مفاصل وشخصيات مهمة وأمتدت أذرعها لتحيط بالاقتصاد العراقي وتضعه في شبكة من المؤامرات والمصالح والاستهداف المبرمج لشل الاقتصاد وجعله أداة مهمة في زيادة النفوذ والسيطرة السياسية , وعلى الرغم من أن تلك المنظومات تشترك في أهدافها سرية كانت أم معلنة ألا أنها الى الان غير مرتبطة مع بعضها , والخطر الاعظم هو ما ينتج من توافق وأرتباط تلك المنظومات حتى وأن لم تكن رؤاها متوافقة , عند ذلك نكون قد سقطنا في هاوية لايمكن التكهن بخواتيمها .

تفاقم تلك المنظومات أدى الى تنامي الدعوات المطالبة بالقضاء على أشكالية الفساد بعمومياتها , وأشتركت في أطلاق هذه الدعوات جهات عديدة منها, القاعدة الشعبية التي خرجت الى الساحات , مرجعية النجف في خطبها , والاعلام بوسائله العديدة , وشخصيات من النخبة , كل هذه الجهات قد طالبت الحكومة بأخذ الخطوات الجريئة للقضاء على الفساد , والكثير طالب بأن يُضرب الفساد بيد من حديد وأن يكون القضاء عليه من رأس الهرم  وكأن الفساد عبارة عن أفعى يمكن قتلها بتحطيم رأسها وهكذا وبضربة سحريه من عنتر أو هرقل يمكن أن تخلصنا من آفة ومرض عضال , الحقيقة أن هناك أكثر من هرم واحد ويدٌ حديديةٌ واحدة غير قادرة على تحطيمها , فأن تحطمَ هرم بنوا هرم أو أكثر أضخم من المُحطم , مما دعا بعض الشخصيات الفكرية والسياسية للتصدي للفساد بأفكار ونظريات وآليات ليست بعيدة النظر ولايمكن تحقيقها في ما نعيشهُ من واقع سياسي غير مؤهل للتحديات بسبب الارتباطات والتصارعات السلطويه للجهات التي تُكون هذا الواقع .

وبنظرة على الواقع الحكومي  نرى أن هناك العديد من المؤسسات والهيئات المعنية رسمياً بالقضاء على ( ملفات الفساد ) وهي كثيرة كهيئة النزاهة , ولجنة النزاهة النيابية , اللجنة المالية , ديوان الرقابة المالية , وكذلك اللجان في مجالس المحافطات , وغيرها . وعلى الرغم من عديد هذه الجهات ألا انها لم تستطيع أن تحرز أي تقدم في عملها وهي اليوم غير قادرة على مواجهة تلك المنظومات , ولابد من أقرار بواقعية الفشل المنهجي والتنفيذي لتلك الهيئات والاسباب اليوم أصبحت أكثر من واضحة ولعل تصريح رئيس الوزراء بأن الاموال المستردة أقل مما يصرف على أحدى تلك الهيئات دليل دامغ على ضعف المستوى الاداري والتنفيذي لتلك الهيئات بشكل خاص وللأداء الحكومي بشكل عام كون المسؤولية مشتركة وعامة .

الامر المهم والخطير بأن تلك الهيئات تعني اليوم ب ( ملفات فساد ) وهي كثيرة ومختلفة , وهي تقوم بالحسابات والتدقيق والتحقيق بتلك الملفات , وتقوم بمراجعة الملفات وتجهيزها الى أن تأخذ دورها القضائي والقانوني , ولكن كل تلك الجهات تعمل بصورة مستقلة عن الاخرى بدون أن يكون هناك ترابط أداري أو قانوني , لذا نرى أن الملف الواحد يأخذ الكثير من الروتين الاداري والتاثيرات السياسية وبعدها يصل الى مكانه المناسب في الارشيف أو أن تقوم منظومات الفساد بترتيب أوراقه قبل استقدامه قضائياً , وحتى أن وصل الى الجهات القضائية يمكن أفشاله وعن طريق قانوني لأنه وصل وهو غير مستوفي لشروط الاحكام القضائيه التي تُدين ذلك الملف ,  وتلك المنظومات أخذت تمتلك اساليب متعددة وتستغل الاطر القانونية للتغطية على عمليات كبيرة وفي مفاصل حساسة .

ورؤيتنا أن منظومات الفساد لايمكن محاربتها من خلال هيئات أدارية غير مرتبطة منهجياً وهي تعني رسميا ب (ملفات فساد ) وتدقيق روتيني لايعتمد على أسس حديثة ولايعتمد حتى على أي بيانات الكترونية , وكثرتها هي أهم أسباب ضعفها بسسب كثرة مرجعياتها . من هنا نؤسس أنه يجب التعامل مع الفساد كمنظومه ممنهجة لا على أساس ملف من هنا أو هناك أو شكوى من مواطن أو مستند أو كتاب صادر من مسؤول أو برنامج يستضيف نائباً للتحدث عن أي ملف , ولابد من عدم الكشف أعلامياً بصورة يومية مملة عن حالات فساد في مؤسسة أو دأئرة حكومية أو خدمية , وهنا لابد من ألغاء كافة تلك الهيئات , وتاسيس جهاز مكافحة الفساد , , يضم الجهاز عناصر أستخبارية تكون مهمتها أيصال الملفات المشبوهه , ودأئرة تحقيقية من خبراء في كافة المجالات ,  ولجنة قضائية خاصة مرتبطة بذلك الجهاز تقوم بأصدار الاحكام , المهمة الرئيسية لهذا الجهاز هو تفكيك منظومات الفساد بشكل استراتيجي , وبآليات وتجهيزات حديثة , والقيام وهذا من أهم الامور بتكتيك ( ألاجراء الوقائي ) للقضاء على الفساد , فعند التهيئة لأنشاء مشروع ما يتم اللقاء بالكوادر التنفيذية ووضع نظام وبيانات يمكن الدخول اليها بصورة شفافة , وكذلك المتابعة الميدانية والتدقيق والتوثيق الاداري والحسابي لذلك المشروع , وهناك الكثير من النخب النظيفة والتي لم ترتضي لنفسها بما لديها من عزة ومبادئ وأيمان أن يمسها شئ من الفساد ومن مفهومه بل هم اليوم  يتمنون أن يكونوا من المتطوعين لذلك الجهاز , ولكن يبقى الامل معقوداً على من يطلق أكبر ضربة لأعنف فساداً أستشرى في بلد خيراته كانت ولازالت لغيرشعبه .