في موقف مر بي مؤخراً، كنا أمام انجاز مطلوب منا في وقت ضيق وقصير للغاية، ومع اقتراب الوقت الممنوح من النفاذ بدأنا نطالع 3 اتجاهات من الأقوال، بين من يلومنا لبطئنا في العمل وتأخرنا، ومن يقترح الحلول المثالية البديلة التي لا مكان لها من التنفيذ العملي والواقعي، وكلاهما لم يقدما لنا شيئاَ يذكر، وبين من شمر عن ساعديه مبادراً وعاملاً على تكييف المطلوب مع الوقت الممنوح للوصول إلى حالة ليست ربما بالمثالية المطلوبة، ولكنها تحقق ما نريد ولو بمستوى ودرجة أقل.
ذكرني هذا الموقف الذي تنفسنا بعده الصعداء، بحالة التخمة الفكرية والنظرية التي تمتلئ بها ساحاتنا، خطط وأوراق عمل ومشاريع وكتب ومؤلفات واستراتيجيات بالغة الروعة في صياغاتها، ولكن كل ذلك لا يقابله إلا بضعة من الفرسان الذي يحملون على كاهلهم عبء تنفيذ الأفكار، وبما يتلاءم مع الواقع والإمكانيات الموجودة.
ان حالة اللوم لا تنفع لحظة وصول التحدي إلى أقصاها، وبالمقابل كذلك فإن لغة التنظير الخيالية لا تقدمنا خطوة واحدة، ولا سيما مع وصولنا مرتبة متقدمة من الفراغ الذي نملأه بأسهل الخيارات وهي المزيد من الحديث والكلام.
ولعل البعض يطرح قولاً فيه رجاحة ووجاهة وهي ان التخصص مطلوب، وان كل (ميسر لما خلق له) كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا لم يكن في يوم من الأيام معناه اطلاق العنان لمن يفكر ليغوص على عوالم خيالية لا مكان لها في أرضنا ولا قرار، او نكوص عن المبادرة والفعل والتغيير والقيادة كما ينبغي ان تكون.
ان أزماتنا الكثيرة والحادة والمركبة والمعقدة والمتشابكة كأشد من تكون عليه تلك الأوصاف من معاني وأشكال، تحتاج توازناً بين القول والفعل، وحضوراً للعمل وبالتوازي مع طرح الخطط، ويجب ان نعلم وندرك ونؤمن يقيناً أن البراعة لا تكمن في جودة الحديث بقدر ما تتعلق بالقدرة على حل المشاكل والتغلب على التحديات والانجاز بأقل ما يمكن من التكاليف والتضحيات.
واحدة من أكبر مشاكلنا تتعلق بحضور المنظرين المكثف وقلة العاملين الفرسان، ونحن لن نخطو إلى الأمام خطواتنا المطلوبة دون ذلك الاستحضار المطلوب والغائب في ذات الوقت.