19 ديسمبر، 2024 10:57 م

منابر الجمعة والابتعاد عن قضايا الوطن والمواطن

منابر الجمعة والابتعاد عن قضايا الوطن والمواطن

حديث المنابر يتعبني جدا لما أراه من تفريط بوسيلة من الممكن ان تغير حال البلد, قد لا يعجب الكثيرون هذه المقالة لجرأتها, لكن هي كلمة يجب ان تقال لإصلاح الحال السيئ, فاستمرار السكوت هو نوع من المشاركة, وأشير الى أنا لسنا ضد أحدا ما, بقدر ما هو نقد لأداء سلبي, والنقد أداة مهمة لنجاح أي مشروع خصوصا المنبر ودوره الرسالي والريادي في المجتمع.

صلاة الجمعة تتكون من خطيتين وركعتين كصلاة الصبح, الخطبة الأولى تكون , ويتطرق الخطيب في الثانية لشؤون العباد والوطن, فتكون رافد مهم لإصلاح مشاكل الرعية والحكم, وبعد سقوط الصنم, أصبح منبر كربلاء الاهم في العراق, حتى تنقل الخطبة عشرات القنوات المحلية والعربية, وعشرات المنابر الأخرى المهمة, بالاضافة لاهتمام الناس بما سيقوله الخطيب, وفي بدايات التغيير كان للمنابر صدى وتأثير كبير على الحكومة والإحداث, لكن في السنوات الثلاث الأخير خفت بريق خطب الجمعة والخطباء, وكانت الناس تنتظر ان يكون المنبر معبرا عن مشاكلهم وهمومهم, (( أزمة السكن الخانقة, مشاكل التربية والتعليم, البطالة, الصحة, الخدمات )) فإذا بهم يتناسوهم.

الملاحظ ان خطب الجمعة أصبحت لا تواكب الإحداث ولا تعطي ثمارا, ولا تنطق بهموم الناس, بل تحولت في تركيزها لمواضيع جانبية لا تهم المواطن, كالحديث عن الصراع السياسي وتشكيل الحكومة, أو ربط الإحداث برؤية قدرية, وهذا التحول الغريب سبب الإحباط لأغلب المتابعين, فبعد ان كان ينتظر من منبر صلاة الجمعة ان تكون ثورة إصلاحية, تحولت في اغلب المنابر لأمر برتوكولي ذكر الله وسردت بعض الروايات الأخلاقية, متجاهلا الحكومة وفسادها وأزمات المجتمع الكبيرة كأزمة السكن والصحة والتعليم والبطالة, ويختمها يا عباد الله أوصيكم بتقوى الله وانتهت خطبة الجمعة.

لماذا كل هذا الابتعاد عن ذكر مصالح المجتمع والوطن؟ والركون الى ذكر أمور ثانوية لا تغير شيء من واقع الحال!

يمكن تحليل الأمر لعدة نقاط مهمة:

●اولا: تعطيل دور المنبر

هناك إرادتان خارجية ومحلية التقتا في مهمة تعطيل دور المنبر, والعمل على جعله برتوكوليا فقط, أي مراسيم يقوم بها أسبوعيا من دون المساس بخطوط حمراء, كي تسير خطط الغرب كما يراد لها, وهذا ما حصل حيث فقدنا فائدة وجود المنابر فأصبحت تتحدث عن أمور جانبية لا تمس الحياة الواقعية, أو تكرس وجودها للحديث عن التاريخ المختلف عليه لغرض التأجيج الطائفي فقط, إما في عملية نقد الحكومة والوزراء والأحزاب فهذا الأمر شديد الصعوبة, وهكذا تعطل الدور المهم للمنابر في حياة العراقيين, بل يمكن القول ان صفحات الفيسبوك أكثر قوة من المنابر حاليا لأنه تحارب الفساد وتنقد الحكومة والأحزاب وتضع الحلول لمشاكل البلد وكل هذا يغيب عن منابر الجمعة اليوم.

●ثانيا: الأحزاب وسطوتها على المنبر

من اكبر مصائب البلد ألان هو وجود الأحزاب الكبيرة الفاسدة, والتي تمسك بزمام الأمور, وتتمسك بكرسي الحكم بكل قوة, هذه الأحزاب استولت على الكثير من المنابر لتسخرها لمصلحتها بحيث جعلت هذه المنابر من قادة الأحزاب برتبة العصمة! ونفخت فيهم كي يكون عجل يعبد من دون الله, والرعاع يتبعون كل صيحة, فانتشر الشرك والإلحاد والفساد, والسبب موت المنبر, وسطوة أحزاب الفساد والدمار, جوامع عديدة مكبلة بقيود الأحزاب لا تقول الا ما يقول قائد الكيان السياسي, وهذا يخص الشيعة والسنة, ونتيجة هذا الفعل تسخير الدين للسيطرة على الناس, مع تجميل مواقف الساسة والدفاع عن أي حركة يقومون بها, ولا تعود الحياة لهذه المنابر الا بزوال الأحزاب.

● ثالثا: عدم تغيير الخطباء

منذ عام 2003 وبعض المنابر يسيطر عليها نفس الشخوص, أي تصور معي خمسة عشر عاما والمنبر ملكا لهم, بعضهم كرس منصبه لخدمة الأحزاب, وبعضهم فقد القدرة على تقديم الجديد, وأخر أصبحت الجماهير لا تحبذه ولا تقبل ما يقوله بفعل جبل من الشبهات, وبعضهم دمج الدين بالتجارة فما عاد صالحا للمنبر لكنهم جميعهم متشبثون بالمنبر ولا يعطونه لأحد غيرهم, لا اعلم لماذا لا يتم تغيير الخطباء كل سنة مثلا, فإعطاء الفرصة لرجال الدين الآخرين من صميم العدل, الناس متشوقة لرؤية رجل دين جديد, بدل العمائم التقليدية التي سطت على المنبر منذ سنوات طويلة.

الحقيقة المرة ان هؤلاء بعض الخطباء أصبح من الاستحالة إزالته عن منبره, الا ان يمرض أو يموت, أي إننا على أعتاب عهد طويل من خواء المنابر.

● رابعا: غياب شخصية منبرية ثورية يجمع القلوب

يغيب اليوم عن الساحة الشخصية المنبرية الثورية التي تأخذ بالقلوب, فكل ما موجود مجرب وكشفت كل أوراقه, بعضهم قد صبح تأثيره ضعيف, بل بنيت جدران من الشك بين بعضهم والأمة, فلو صعدت المنابر شخصيات ثورية تختلف بطريقة الأفكار والإلقاء, ويكون خطابها بما يخص المجتمع, ان تتصدى لقضايا السكن والصحة والخدمات, بدل أحديث جانية لا تقدم شيء للعراق وشعب العراق, فيكون خطابهم لتغير حال المجتمع والوطن, وهذا الأمر يقع على عاتق المرجعيات الصالحة, في عملية تغيير ما موجود, وبعث الروح في المنابر الميتة, مع وضع منهج جديد للمرحلة القادمة, لكسر جمود المنبر نتيجة تسلط فئة سخرته لمصالحها.

● الحلول

عندما أفكر بالحلول أجدها كثيرة من أهمها والتي هي ممكنة جدا:

اولا: ان يتغير شيخ المنبر كل عام أو عامين, فتتاح الفرصة للمجتهدين والخطباء الآخرين.

ثانيا: ان توضع نقاط مهمة للخطبة وهي أزمات المجتمع ونقد أخطاء الحكومة.

ثالثا: الخطيب الذي يهادن الحكومة يتم إقصائه مباشرة.

رابعا: ان تكون خطة سنوية للخطيب, مثل ان تكون سلسلة من الخطب تحوي الدعوة لحل أزمة السكن, بدل الاعتماد على الإحداث فيكون الخطيب فعل وليس مجرد ردة فعل كما هو ألان.

خامسا: المنابر التي تحت سطوة الأحزاب يتم مقاطعتها عبر دعوة مرجعية, فصلاة الأحزاب من الصعب بيان صحتها باعتبار كل الأحزاب فاسدة, وهكذا تموت منابر الأحزاب.

سادسا: ان يكون هنالك تقييم للخطيب, من قبل المرجعيات الصالحة, وعلى أساسه يستمر أو يعزل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحدث المقالات

أحدث المقالات